وهنا يأتي مبحث بم تدرك الجمعة ؟
الأقوال في ثلاثة ، وتعتبر طرفين وواسطة . القدر الذي به تدرك الجمعة
الطرف الأول : القول بأنها لا تدرك إلا بإدراك شيء من الخطبة ، هذا ما حكاه عن ابن حزم مجاهد ، وعطاء ، ، وطاوس وعمر ، ولم يذكر له دليلا .
والقول الآخر : تدرك ولو بالجلوس مع الإمام قبل أن يسلم ، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله ، ومذهب ، بل عند ابن حزم أبي حنيفة رحمه الله : أنه لو أن الإمام سها وسجد ، وفي سجود السهو أدركه المأموم لأدرك الجمعة بإدراكه سجود السهو مع الإمام ; لأنه منها ، ولكن خالف الإمام صاحبه أبا حنيفة محمد على ما سيأتي .
والقول الوسط هو قول الجمهور : أنها تدرك بإدراك ركعة كاملة مع الإمام ، وذلك بإدراكه قبل أن يرفع رأسه من الركوع في الركعة الثانية ، فحينئذ يصلي مع الإمام ركعة ثم يضيف إليها أخرى وتتم جمعته بركعتين ، وإلا صلى ظهرا .
أما الراجح من ذلك فهو قول الجمهور للأدلة الآتية :
أولا : أن القول الأول لا دليل عليه أصلا ، ويمكن أن يلتمس لقائله شبهة من قوله [ ص: 168 ] تعالى : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ، لحمل ذكر الله على خصوص الخطبة لقوله تعالى بعدها : فإذا قضيت الصلاة .
فسمى الصلاة في الأول بالنداء إليها ، وسمى الصلاة أخيرا بانقضائها ، وذكر الله جاء بينهما ولكن يرده استدلال الجمهور الآتي .
والقول الثاني : وهو قول أبي حنيفة رحمه الله ، استدل له بحديث " وابن حزم " . فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا
والجمعة ركعتان فقط ، فإتمامها بتمام ركعتين ، واعتبروا إدراك أي جزء منها إدراكا لها ، وقد خالف في ذلك صاحبه أبا حنيفة محمد لأدلة الجمهور الآتية :
وأدلة الجمهور من جانبين :
الأول : خاص بالجمعة ، وهو حديث - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ابن عمر " أي فتتم له جمعة بركعتين ، وأخذوا من مفهوم إدراك ركعة ، أن من لم يدرك ركعة كاملة فلا يصح له أن يضيف لها أخرى ، وعليه أن يصلي ظهرا . من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى
والجانب الثاني : عام في كل الصلوات ، وهو حديث الصحيحين : " " . من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة
وقد رد الأحناف على الحديث الأول بأنه ضعيف ، واعتبروا الإدراك في الحديث الثاني ، يحصل بأي جزء .
ورد عليهم الجمهور بالآتي :
أولا : الحديث الخاص بمن أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى ، ذكره ابن حجر في بلوغ المرام .
وقال : رواه ، النسائي ، وابن ماجه واللفظ له ، وإسناده صحيح ، لكن قوى والدارقطني أبو حاتم إرساله ، وقال الصنعاني في الشرح : وقد أخرج الحديث من ثلاث عشرة طريقا عن ، ومن ثلاث طرق عن أبي هريرة ، وفي جميعها مقال إلى أن قال : ولكن كثرة طرقه يقوي بعضها بعضا ، مع أنه خرجه ابن عمر الحاكم من ثلاث طرق :
[ ص: 169 ] إحداها : من حديث : وقال فيها على شرط الشيخين إلى آخره . اهـ . أبي هريرة
وقال النووي في المجموع : ويغني عنه ما في الصحيحين عن - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أبي هريرة " فهذا نص صحيح ، وهو صريح في أن إدراك الصلاة إنما هو بإدراك ركعة ، وبالإجماع لا يكون إدراك الركعة بإدراك الجلوس قبل السلام ، لأن من دخل مع الإمام في إحدى الصلوات وهو جالس في التشهد لا يعتد بهذه الركعة إجماعا ، وعليه الصلاة كاملة . من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة
والنص الخاص أن من أدرك ركعة من صلاة الجمعة فليضف إليها أخرى يجعل معنى الإدراك لركعة كاملة يعتد بها ، ومن لم يدرك ركعة كاملة لم يكن مدركا للجمعة .
وقد حكى النووي في المجموع أن الجمعة تدرك بركعة تامة لحديث الصحيحين المذكور ، وقال : احتج به مالك في الموطأ ، في الأم وغيرهما . والشافعي
وقال معناه : لم تفته تلك الصلاة ، ومن لم تفته الجمعة صلاها ركعتين ، وقال : وهو قول أكثر العلماء ، حكاه الشافعي ابن المنذر عن ، ابن مسعود ، وابن عمر ، وأنس بن مالك ، وسعيد بن المسيب والأسود ، وعلقمة ، ، والحسن البصري ، وعروة بن الزبير والنخعي ، ، والزهري ومالك ، ، والأوزاعي ، والثوري وأحمد ، وإسحاق ، ، وأبي ثور وأبي يوسف .
وتقدم أن الذي وافق الجمهور من أصحاب أبي حنيفة ، إنما هو محمد لما في كتاب الهداية ما نصه :
وقال محمد رحمه الله : إن من أدرك أكثر الركعة بنى عليها الجمعة وإن أدرك أقلها بنى عليها الظهر .
وفي الشرح : أن أكثر الركعة هو بإدراك الركوع مع الإمام .
وبالنظر في الأدلة نجد رجحان أدلة الجمهور للآتي :
أولا : قوة استدلالهم بعموم : " " ، وهذا عام في الجمعة وفي غيرها ، وهو من أحاديث الصحيحين . من أدرك من الصلاة ركعة ، فقد أدرك الصلاة
ثم بخصوص : " من أدرك من الجمعة ركعة مع الإمام فليضف إليها أخرى " ، وتقدم [ ص: 170 ] الكلام على سنده وتقوية طرقه بعضها ببعض .
وقد أشرنا إلى معنى الإدراك وهو ما يمكن الاعتداد به في عدد الركعات ، وهي نقطة هامة لا ينبغي إغفالها ، وأن مفهوم من أدرك ركعة مع الإمام فليضف إليها أخرى ، أن من لم يدرك ركعة كاملة لا يتأتى له أن يضيف إليها أخرى ، بل عليه كما قال الجمهور أن يصلي أربعا .
ثانيا : ضعف استدلال المعارض ; لأن : " ما أدركتم فصلوا " على من أدرك من الجمعة ركعة خاص بها .
ثم إن معنى الإدراك ليس كما ذهب المستدل إليه ، بل لا بد أن يكون إدراكا لما يعتد به .
وأشرنا إلى أن الإجماع على أن من لم يدرك ركعة كاملة لا يعتد بها في عدد الركعات ، ويشير إلى هذا المعنى حديث أبي بكرة حيث ركع قبل أن يصل إلى الصف ; ليدرك الركعة قبل أن يرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - رأسه ، ولو كان إدراك الركعة يتم بأي جزء منها لما فعل أبو بكرة هذه الصورة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " " . هذا زادك الله حرصا ولا تعد
ومعلوم أنه اعتد بتلك الركعة لإدراكه الركوع منها ، وبهذا تعلم أنه لا دليل لمن اشترط إدراك شيء من الخطبة ; لأن من أدرك ركعة فقد فاتته الخطبة كلها ، وفاتته الأولى من الركعتين ، وأدرك الجمعة بإدراك الثانية ، والعلم عند الله تعالى .