قوله تعالى : من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب .
ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أن كل ما أصاب من المصائب في الأرض كالقحط والجدب والجوائح في الزراعة والثمار وفي الأنفس من الأمراض والموت كله مكتوب في كتاب قبل خلق الناس ، وقبل وجود المصائب ، فقوله : من قبل أن نبرأها [ 57 \ 22 ] ، الضمير فيه عائد على الخليقة المفهومة في ضمن قوله : وفي أنفسكم [ 57 \ 22 ] ، أو إلى المصيبة ، واختار بعضهم رجوعه لذلك كله .
وقوله تعالى : إن ذلك على الله يسير [ 57 \ 22 ] ، أي سهل هين لإحاطة علمه وكمال قدرته .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أنه لا يصيب الناس شيء من المصائب إلا وهو [ ص: 549 ] مكتوب عند الله قبل ذلك - أوضحه الله تعالى في غير هذا الموضع ، كقوله تعالى : قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون [ 9 \ 51 ] ، وقوله تعالى : ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله [ 64 \ 11 ] ، وقوله تعالى : ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين [ 2 \ 155 ] ، لأن قوله : ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع [ 2 \ 155 ] قبل وقوع ذلك دليل على أن هذه المصائب معلومة له - جل وعلا - قبل وقوعها ، ولذا أخبرهم تعالى بأنها ستقع ، ليكونوا مستعدين لها وقت نزولها بهم ، لأن ذلك يعينهم على الصبر عليها .
ونقص الأموال والثمرات مما أصاب من مصيبة . ونقص الأنفس في قوله : والأنفس مما أصاب من مصيبة في الأنفس ، وقوله في آية الحديد هذه : لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم [ 57 \ 23 ] ، أي بينا لكم أن الأشياء مقدرة مكتوبة قبل وجود الخلق ، وأن ما كتب واقع لا محالة لأجل ألا تحزنوا على شيء فاتكم ، لأن فواته لكم مقدر ، وما لا طمع فيه قل الأسى عليه ، ولا تفرحوا بما آتاكم ، لأنكم إذا علمتم أن ما كتب لكم من الرزق والخير لا بد أن يأتيكم قل فرحكم به ، وقوله : " تأسوا " مضارع أسي بكسر السين يأسى بفتحها أسى بفتحتين على القياس ، بمعنى حزن ، ومنه قوله تعالى : فلا تأس على القوم الكافرين [ 5 \ 68 ] . وقوله : " من مصيبة " مجرور في محل رفع ؛ لأنه فاعل " أصاب " جر بـ " من " المزيدة لتوكيد النفي ، و " ما " نافية .