ما ذكره - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة من أن من قوله - تعالى - : على لزوم الإيمان بالله وآياته ; أنه يستبعد أن يؤمن بشيء آخر ; لأنه لو كان يؤمن بحديث لآمن بالله وبآياته ; لظهور الأدلة على ذلك ، وأن من لم يؤمن بآيات الله متوعد بالويل ، وأنه أفاك أثيم ، والأفاك : كثير الإفك ، وهو كفر بالله وبآيات الله ، ولم يؤمن بذلك مع ظهور الأدلة والبراهين ، والأثيم : هو مرتكب الإثم بقلبه وجوارحه ، فهو مجرم بقلبه ولسانه وجوارحه - قد ذكره - تعالى - في غير هذا الموضع ، فتوعد المكذبين لهذا القرآن بالويل يوم القيامة ، وبين استبعاد إيمانهم بأي حديث بعد أن لم يؤمنوا بهذا القرآن ، وذلك بقوله في آخر المرسلات : [ ص: 189 ] أسوأ الكذب وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ويل يومئذ للمكذبين فبأي حديث بعده يؤمنون [ 47 \ 48 - 50 ] . فقوله - تعالى - : ويل يومئذ للمكذبين كقوله هنا : ويل لكل أفاك أثيم .
وقد كرر - تعالى - وعيد المكذبين بالويل في سورة " المرسلات " كما هو معلوم ، وقوله في آخر " المرسلات " : فبأي حديث بعده يؤمنون كقوله هنا في " الجاثية " : فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون .
ومعلوم أن الإيمان بالله على الوجه الصحيح يستلزم الإيمان بآياته ، وأن الإيمان بآياته كذلك يستلزم الإيمان به - تعالى - وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة : يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم يدل على أن من يسمع القرآن يتلى ، ثم يصر على الكفر والمعاصي في حالة كونه متكبرا عن الانقياد إلى الحق الذي تضمنته آيات القرآن كأنه لم يسمع آيات الله ، له البشارة يوم القيامة بالعذاب الأليم ، وهو الخلود في النار ، وما تضمنته هذه الآية الكريمة جاء موضحا في غير هذا الموضع ، كقوله - تعالى - في " لقمان " : وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب [ 31 \ 7 ] . وقوله - تعالى - في " الحج " : وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير [ 22 \ 72 ] . وقوله - تعالى - : ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم [ 47 \ 16 ] . فقوله - تعالى - عنهم : ماذا قال آنفا - يدل على أنهم ما كانوا يبالون بما يتلو عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من الآيات والهدى .
وقد ذكرنا كثيرا من الآيات المتعلقة بهذا المبحث في سورة " فصلت " في الكلام على قوله - تعالى - : فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل [ 41 \ 4 - 5 ] .
وقوله - تعالى - في هذه الآية : كأن لم يسمعها خففت فيه لفظة ( كأن ) ، ومعلوم أن كأن إذا خففت كان اسمها مقدرا ، وهو ضمير الشأن ، والجملة خبرها ، كما قال في الخلاصة : [ ص: 190 ]
وخففت كأن أيضا فنوي منصوبها وثابتا أيضا روي
والأظهر أن لفظة ويل كلمة عذاب وهلاك ، وأنها مصدر لا لفظ له من فعله ، وأن المسوغ للابتداء بها مع أنها نكرة كونها في معرض الدعاء عليهم بالهلاك .
وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة : فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون .
قرأه نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم - : يؤمنون ، بياء الغيبة .
وقرأه ابن عامر ، وحمزة ، ، والكسائي وشعبة عن عاصم - : تؤمنون ، بتاء الخطاب .
وقرأه عن ورش نافع ، والسوسي عن أبي عمرو - : يومنون ، بإبدال الهمزة واوا وصلا ووقفا .
وقرأه حمزة بإبدال الهمزة واوا في الوقف دون الوصل .
والباقون بتحقيق الهمزة مطلقا .