اعلم أن ما ذكرنا من أن ( لو ) تقتضي عدم وجود الشرط ، وأن ( إن ) تقتضي الشك فيه - لا يرد عليه قوله - تعالى - : فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك الآية [ 10 \ 94 ] . كما أشرنا له قريبا .
لأن التحقيق أن الخطاب في قوله : ( فإن كنت في شك ) خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد به من يمكن أن يشك في ذلك من أمته .
وقد قدمنا في سورة " بني إسرائيل " في الكلام على قوله - تعالى - : لا تجعل مع الله إلها آخر الآية [ 17 \ 22 ] - ، ولا يراد هو - صلى الله عليه وسلم - البتة بذلك الخطاب . دلالة القرآن الصريحة على أنه - صلى الله عليه وسلم - يتوجه إليه الخطاب من الله ، والمراد به التشريع لأمته
وقدمنا هناك أن من أصرح الآيات القرآنية في ذلك قوله - تعالى - : وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف الآية [ 17 \ 23 ] . فالتحقيق أن الخطاب له - صلى الله عليه وسلم - والمراد أمته لا هو نفسه ; لأنه هو المشرع لهم بأمر الله .
وإيضاح ذلك أو معنى : إما يبلغن عندك الكبر أي إن يبلغ عندك الكبر يا نبي الله والداك أو أحدهما ، فلا تقل لهما : أف .
ومعلوم أن أباه مات وهو حمل ، وأمه ماتت وهو في صباه ، فلا يمكن أن يكون المراد : إن يبلغ الكبر عندك هما أو أحدهما ، والواقع أنهما قد ماتا قبل ذلك بأزمان .
وبذلك يتحقق أن المراد بالخطاب غيره من أمته الذي يمكن إدراك والديه أو أحدهما الكبر عنده .
وقد قدمنا أن مثل هذا أسلوب عربي معروف ، وأوردنا شاهدا لذلك ؛ رجز سهل بن مالك الفزاري في قوله : [ ص: 166 ]
يا أخت خير البدو والحضاره كيف ترين في فتى فزاره أصبح يهوى حرة معطاره
إياك أعني واسمعي يا جاره
والحاصل أن آية : فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك الآية [ 10 \ 94 ] لا ينقض بها الضابط الذي ذكرنا ; لأنها كقوله : لا تجعل مع الله إلها آخر [ 17 \ 22 ] . لئن أشركت ليحبطن عملك [ 39 \ 65 ] . فلا تكونن من الممترين [ 10 \ 94 ] . ولا تطع الكافرين والمنافقين [ 33 \ 48 ] . ولا تطع منهم آثما أو كفورا [ 76 \ 24 ] . إلى غير ذلك من الآيات .
ومعلوم أنه هو - صلى الله عليه وسلم - لا يفعل شيئا من ذلك البتة ، ولكنه يؤمر وينهى ليشرع لأمته على لسانه .
وبذلك تعلم اطراد الضابط الذي ذكرنا في لفظة لو ، ولفظة إن ، وأنه لا ينتقض بهذه الآية .
هذا ما ظهر لنا في هذه الآية الكريمة ، ولا شك أنه لا محذور فيه ولا غرر ولا إيهام ، والعلم عند الله - تعالى - .