nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45nindex.php?page=treesubj&link=28973واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون
خطاب لبني إسرائيل بالإرشاد إلى ما يعينهم على التخلق بجميع ما عدد لهم من الأوامر والنواهي الراجعة إلى التحلي بالمحامد والتخلي عن المذمات ، له أحسن وقع من البلاغة فإنهم لما خوطبوا بالترغيب والترهيب والتنزيه والتشويه ظن بهم أنهم لم يبق في نفوسهم مسلك للشيطان ولا مجال للخذلان وأنهم أنشئوا يتحفزون للامتثال والائتساء إلا أن ذلك الإلف القديم ، يثقل أرجلهم في الخطو إلى هذا الطريق القويم ، فوصف لهم الدواء الذي به الصلاح وريش بقادمتي الصبر والصلاة منهم الجناح .
فالأمر
nindex.php?page=treesubj&link=19572بالاستعانة بالصبر لأن الصبر ملاك الهدى فإن مما يصد الأمم عن اتباع دين قويم الفهم بأحوالهم القديمة وضعف النفوس عن تحمل مفارقتها فإذا تدرعوا بالصبر سهل عليهم اتباع الحق . وأما الاستعانة بالصلاة فالمراد تأكيد الأمر بها الذي في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=43وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وهذا إظهار لحسن الظن بهم وهو طريق بديع من طرق الترغيب . ومن المفسرين من زعم أن الخطاب في قوله واستعينوا إلخ للمسلمين على وجه الانتقال من خطاب إلى خطاب آخر ، وهذا وهم لأن وجود حرف العطف ينادي على خلاف ذلك ولأن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45إلا على الخاشعين مراد به إلا على المؤمنين حسبما بينه قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم الآية اللهم إلا أن
[ ص: 478 ] يكون من الإظهار في مقام الإضمار وهو خلاف الظاهر مع عدم وجود الداعي . والذي غرهم بهذا التفسير توهم أنه لا يؤمر بأن يستعين بالصلاة من لم يكن قد آمن بعد وأي عجب في هذا ؟ وقريب منه آنفا قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=43وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين خطابا
لبني إسرائيل لا محالة . والصبر عرفه
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في إحياء علوم الدين بأنه ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الشهوة ، وهو
nindex.php?page=treesubj&link=19571تعريف خاص بالصبر الشرعي صالح لأن يكون تفسيرا للآية لأنها في ذكر الصبر الشرعي ، وأما الصبر من حيث هو الذي هو وصف كمال فهو عبارة عن احتمال النفس أمرا لا يلائمها إما لأن مآله ملائم ، أو لأن عليه جزاء عظيما فأشبه ما مآله ملائم ، أو لعدم القدرة على الانتقال عنه إلى غيره مع تجنب الجزع والضجر فالصبر احتمال وثبات على ما لا يلائم ، وأقل أنواعه ما كان عن عدم المقدرة ولذا ورد في الصحيح إنما الصبر عند الصدمة الأولى أي الصبر الكامل هو الذي يقع قبل العلم بأن التفصي عن ذلك الأمر غير ممكن وإلا فإن الصبر عند اعتقاد عدم إمكان التفصي إذا لم يصدر منه ضجر وجزع هو صبر حقيقة فصيغة الحصر في قوله إنما الصبر حصر ادعائي للكمال كما في قولهم أنت الرجل .
والصلاة أريد بها هنا معناها الشرعي في الإسلام وهي مجموع محامد لله تعالى قولا وعملا واعتقادا فلا جرم كانت الاستعانة المأمور بها هنا راجعة لأمرين الصبر والشكر وقد قيل إن الإيمان
nindex.php?page=treesubj&link=19572_19607نصفه صبر ونصفه شكر كما في الإحياء وهو قول حسن ، ومعظم الفضائل ملاكها الصبر إذ الفضائل تنبعث عن مكارم الخلال ، والمكارم راجعة إلى قوة الإرادة وكبح زمام النفس عن الإسامة في شهواتها بإرجاع القوتين الشهوية والغضبية عما لا يفيد كمالا أو عما يورث نقصانا فكان
nindex.php?page=treesubj&link=19573_19572الصبر ملاك الفضائل فما التحلم والتكرم والتعلم والتقوى والشجاعة والعدل والعمل في الأرض ونحوها إلا من ضروب الصبر . ومما يؤثر عن
علي - رضي الله عنه - : الشجاعة صبر ساعة . وقال
زفر بن الحارث الكلابي يعتذر عن انهزام قومه :
سقيناهم كأسا سقونا بمثلها ولكنهم كانوا على الموت أصبرا
وحسبك بمزية الصبر أن الله جعله مكمل سبب الفوز في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=1والعصر nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=2إن الإنسان لفي خسر nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=3إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر وقال هنا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45واستعينوا بالصبر والصلاة قال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : ذكر الله الصبر في القرآن في نيف وسبعين موضعا وأضاف أكثر الخيرات والدرجات إلى الصبر وجعلها ثمرة له ، فقال عز من قائل
[ ص: 479 ] nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=24وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=137وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=153إن الله مع الصابرين اهـ .
وأنت إذا تأملت وجدت أصل التدين والإيمان من ضروب الصبر فإن فيه مخالفة النفس هواها ومألوفها في التصديق بما هو مغيب عن الحس الذي اعتادته ، وبوجوب طاعتها واحدا من جنسها لا تراه يفوقها في الخلقة وفي مخالفة عادة آبائها وأقوامها من الديانات السابقة .
فإذا صار الصبر خلقا لصاحبه هون عليه مخالفة ذلك كله لأجل الحق والبرهان فظهر وجه الأمر بالاستعانة على الإيمان وما يتفرع عنه بالصبر ؛ فإنه خلق يفتح أبواب النفوس لقبول ما أمروا به من ذلك .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=24589الاستعانة بالصلاة فلأن الصلاة شكر والشكر يذكر بالنعمة فيبعث على امتثال المنعم على أن في الصلاة صبرا من جهات في مخالفة حال المرء المعتادة ولزومه حالة في وقت معين لا يسوغ له التخلف عنها ولا الخروج منها على أن في الصلاة سرا إلهيا لعله ناشئ عن تجلي الرضوان الرباني على المصلي فلذلك نجد
nindex.php?page=treesubj&link=24589للصلاة سرا عظيما في تجلية الأحزان وكشف غم النفس وقد ورد في الحديث
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا حزبه - بزاي وباء موحدة - أي نزل به أمر فزع إلى الصلاة وهذا أمر يجده من راقبه من المصلين وقال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر لأنها تجمع ضروبا من العبادات .
وأما كون الشكر من حيث هو معينا على الخير فهو من مقتضيات قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=7لئن شكرتم لأزيدنكم وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45وإنها لكبيرة اختلف المفسرون في معاد ضمير ( إنها ) فقيل عائد إلى الصلاة والمعنى : إن الصلاة تصعب على النفوس لأنها سجن للنفس وقيل الضمير للاستعانة بالصبر والصلاة المأخوذة من استعينوا على حد
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8اعدلوا هو أقرب للتقوى وقيل راجع إلى المأمورات المتقدمة من قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40اذكروا نعمتي إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45واستعينوا بالصبر والصلاة وهذا الأخير مما جوزه صاحب الكشاف ولعله من مبتكراته وهذا أوضح الأقوال وأجمعها والمحامل مرادة .
والمراد بالكبيرة هنا الصعبة التي تشق على النفوس ، وإطلاق الكبر على الأمر الصعب والشاق مجاز مشهور في كلام العرب لأن المشقة من لوازم الأمر الكبير في حمله أو تحصيله قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35وإن كان كبر عليك إعراضهم الآية . وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13كبر على المشركين ما تدعوهم إليه [ ص: 480 ] وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45إلا على الخاشعين أي الذين اتصفوا بالخشوع ، والخشوع لغة هو الانزواء والانخفاض قال
النابغة :
ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع
أي زال ارتفاع جوانبه . والتذلل خشوع ، قال
جعفر بن عبلة الحارثي :
فلا تحسبي أني تخشعت بعدكم لشيء ولا أني من الموت أفرق
وهو مجاز في خشوع النفس وهو سكون وانقباض عن التوجه إلى الإباية أو العصيان . والمراد بالخاشع هنا الذي ذلل نفسه وكسر سورتها وعودها أن تطمئن إلى أمر الله وتطلب حسن العواقب وأن لا تغتر بما تزينه الشهوة الحاضرة فهذا الذي كانت تلك صفته قد استعدت نفسه لقبول الخير .
وكأن المراد بالخاشعين هنا الخائفون الناظرون في العواقب فتخف عليهم الاستعانة بالصبر والصلاة مع ما في الصبر من القمع للنفس وما في الصلاة من التزام أوقات معينة وطهارة في أوقات قد يكون للعبد فيها اشتغال بما يهوى أو بما يحصل منه مالا أو لذة . وقريب منه قول
كثير :
فقلت لها يا عز كل مصيبة إذا وطنت يوما لها النفس ذلت
وأحسب أن مشروعية أحكام كثيرة قصد الشارع منها هذا المعنى وأعظمها الصوم . ولا يصح حمل الخشوع هنا على خصوص
nindex.php?page=treesubj&link=25353الخشوع في الصلاة بسبب الحال الحاصل في النفس باستشعار العبد الوقوف بين يدي الله تعالى حسبما شرحه
ابن رشد في أول مسألة من كتاب الصلاة الأول من البيان . والتحصيل وهو المعنى المشار إليه بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قد أفلح المؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=2الذين هم في صلاتهم خاشعون فإن ذلك كله من صفات الصلاة وكمال المصلي فلا يصح كونه هو المخفف لكلفة الصلاة على المستعين بالصلاة كما لا يخفى .
وقد وصف تعالى الخاشعين بأنهم
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون وهي صلة لها مزيد اتصال بمعنى الخشوع ففيها معنى التفسير للخاشعين ومعنى بيان منشأ خشوعهم ، فدل على أن المراد من الظن هنا الاعتقاد الجازم وإطلاق الظن في كلام
[ ص: 481 ] العرب على معنى اليقين كثير جدا ، قال
أوس بن حجر يصف صيادا رمى حمار وحش بسهم :
فأرسله مستيقن الظن أنه مخالط ما بين الشراسيف جائف
وقال
دريد بن الصمة :
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم بالفارسي المسرج
فهو مشترك بين الاعتقاد الجازم وبين الاعتقاد الراجح والملاقاة والرجوع هنا مجازان عن الحساب والحشر أو عن الرؤية والثواب ; لأن حقيقة اللقاء وهو تقارب الجسمين ، وحقيقة الرجوع وهو الانتهاء إلى مكان خرج منه المنتهي مستحيلة هنا .
والمقصود من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45وإنها لكبيرة إلخ التعريض بالثناء على المسلمين ، وتحريض
بني إسرائيل على التهمم بالاقتداء بالمؤمنين وعلى جعل الخطاب في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45واستعينوا ) للمسلمين يكون قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45وإنها لكبيرة تعريضا بغيرهم من
اليهود والمنافقين .
والملاقاة مفاعلة من لقي ، واللقاء الحضور كما تقدم في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=37فتلقى آدم من ربه كلمات والمراد هنا الحضور بين يدي الله للحساب أي الذين يؤمنون بالبعث ، وسيأتي تفصيل لها عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه في هذه السورة ، وفي سورة الأنعام عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=31قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45nindex.php?page=treesubj&link=28973وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
خِطَابٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْإِرْشَادِ إِلَى مَا يُعِينُهُمْ عَلَى التَّخَلُّقِ بِجَمِيعِ مَا عَدَّدَ لَهُمْ مِنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي الرَّاجِعَةِ إِلَى التَّحَلِّي بِالْمَحَامِدِ وَالتَّخَلِّي عَنِ الْمَذَمَّاتِ ، لَهُ أَحْسَنُ وَقْعٍ مِنَ الْبَلَاغَةِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا خُوطِبُوا بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالتَّنْزِيهِ وَالتَّشْوِيهِ ظَنَّ بِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَبْقَ فِي نُفُوسِهِمْ مَسْلَكٌ لِلشَّيْطَانِ وَلَا مَجَالَ لِلْخِذْلَانِ وَأَنَّهُمْ أَنْشَئُوا يَتَحَفَّزُونَ لِلِامْتِثَالِ وَالِائْتِسَاءِ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ الْإِلْفَ الْقَدِيمَ ، يُثْقِلُ أَرْجُلَهُمْ فِي الْخَطْوِ إِلَى هَذَا الطَّرِيقِ الْقَوِيمِ ، فَوَصَفَ لَهُمُ الدَّوَاءَ الَّذِي بِهِ الصَّلَاحُ وَرِيشٌ بِقَادِمَتَيِ الصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ مِنْهُمُ الْجَنَاحُ .
فَالْأَمْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=19572بِالِاسْتِعَانَةِ بِالصَّبْرِ لِأَنَّ الصَّبْرَ مَلَاكُ الْهُدَى فَإِنَّ مِمَّا يَصُدُّ الْأُمَمَ عَنِ اتِّبَاعِ دِينٍ قَوِيمٍ الْفَهْمُ بِأَحْوَالِهِمُ الْقَدِيمَةِ وَضِعْفُ النُّفُوسِ عَنْ تَحَمُّلِ مُفَارَقَتِهَا فَإِذَا تَدَرَّعُوا بِالصَّبْرِ سَهُلَ عَلَيْهِمُ اتِّبَاعُ الْحَقِّ . وَأَمَّا الِاسْتِعَانَةُ بِالصَّلَاةِ فَالْمُرَادُ تَأْكِيدُ الْأَمْرِ بِهَا الَّذِي فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=43وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَهَذَا إِظْهَارٌ لِحُسْنِ الظَّنِّ بِهِمْ وَهُوَ طَرِيقٌ بَدِيعٌ مِنْ طُرُقِ التَّرْغِيبِ . وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخِطَابَ فِي قَوْلِهِ وَاسْتَعِينُوا إِلَخْ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِ الِانْتِقَالِ مِنْ خِطَابٍ إِلَى خِطَابٍ آخَرَ ، وَهَذَا وَهْمٌ لِأَنَّ وُجُودَ حَرْفِ الْعَطْفِ يُنَادِي عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ مُرَادٌ بِهِ إِلَّا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَسْبَمَا بَيَّنَهُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُوا رَبِّهِمْ الْآيَةَ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ
[ ص: 478 ] يَكُونَ مِنَ الْإِظْهَارِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ الدَّاعِي . وَالَّذِي غَرَّهُمْ بِهَذَا التَّفْسِيرِ تَوَهُّمُ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِأَنْ يَسْتَعِينَ بِالصَّلَاةِ مَنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ آمَنَ بَعْدُ وَأَيُّ عَجَبٍ فِي هَذَا ؟ وَقَرِيبٌ مِنْهُ آنِفًا قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=43وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ خِطَابًا
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ لَا مَحَالَةَ . وَالصَّبْرُ عَرَّفَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ فِي إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ بِأَنَّهُ ثَبَاتُ بَاعِثِ الدِّينِ فِي مُقَابَلَةِ بَاعِثِ الشَّهْوَةِ ، وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=19571تَعْرِيفٌ خَاصٌّ بِالصَّبْرِ الشَّرْعِيِّ صَالِحٌ لِأَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِلْآيَةِ لِأَنَّهَا فِي ذِكْرِ الصَّبْرِ الشَّرْعِيِّ ، وَأَمَّا الصَّبْرُ مِنْ حَيْثُ هُوَ الَّذِي هُوَ وَصْفُ كَمَالٍ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ احْتِمَالِ النَّفْسِ أَمْرًا لَا يُلَائِمُهَا إِمَّا لِأَنَّ مَآلَهُ مُلَائِمٌ ، أَوْ لِأَنَّ عَلَيْهِ جَزَاءً عَظِيمًا فَأَشْبَهَ مَا مَآلُهُ مُلَائِمٌ ، أَوْ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الِانْتِقَالِ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ مَعَ تَجَنُّبِ الْجَزَعِ وَالضَّجَرِ فَالصَّبْرُ احْتِمَالٌ وَثَبَاتٌ عَلَى مَا لَا يُلَائِمُ ، وَأَقَلُّ أَنْوَاعِهِ مَا كَانَ عَنْ عَدَمِ الْمَقْدِرَةِ وَلِذَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى أَيِ الصَّبْرُ الْكَامِلُ هُوَ الَّذِي يَقَعُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِأَنَّ التَّفَصِّيَ عَنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَإِلَّا فَإِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ اعْتِقَادِ عَدَمِ إِمْكَانِ التَّفَصِّي إِذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ ضَجَرٌ وَجَزَعٌ هُوَ صَبْرٌ حَقِيقَةً فَصِيغَةُ الْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ إِنَّمَا الصَّبْرُ حَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ لِلْكَمَالِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ أَنْتَ الرَّجُلُ .
وَالصَّلَاةُ أُرِيدَ بِهَا هُنَا مَعْنَاهَا الشَّرْعِيُّ فِي الْإِسْلَامِ وَهِيَ مَجْمُوعُ مَحَامِدَ لِلَّهِ تَعَالَى قَوْلًا وَعَمَلًا وَاعْتِقَادًا فَلَا جَرَمَ كَانَتِ الِاسْتِعَانَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا هُنَا رَاجِعَةً لِأَمْرَيْنِ الصَّبْرُ وَالشُّكْرُ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْإِيمَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=19572_19607نِصْفُهُ صَبْرٌ وَنِصْفُهُ شُكْرٌ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ ، وَمُعْظَمُ الْفَضَائِلِ مِلَاكُهَا الصَّبْرُ إِذِ الْفَضَائِلُ تَنْبَعِثُ عَنْ مَكَارِمِ الْخِلَالِ ، وَالْمَكَارِمُ رَاجِعَةٌ إِلَى قُوَّةِ الْإِرَادَةِ وَكَبْحِ زِمَامِ النَّفْسِ عَنِ الْإِسَامَةِ فِي شَهَوَاتِهَا بِإِرْجَاعِ الْقُوَّتَيْنِ الشَّهَوِيَّةِ وَالْغَضَبِيَّةِ عَمَّا لَا يُفِيدُ كَمَالًا أَوْ عَمَّا يُورِثُ نُقْصَانًا فَكَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=19573_19572الصَّبْرُ مِلَاكَ الْفَضَائِلِ فَمَا التَّحَلُّمُ وَالتَّكَرُّمُ وَالتَّعَلُّمُ وَالتَّقْوَى وَالشَّجَاعَةُ وَالْعَدْلُ وَالْعَمَلُ فِي الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا إِلَّا مِنْ ضُرُوبِ الصَّبْرِ . وَمِمَّا يُؤْثَرُ عَنْ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : الشَّجَاعَةُ صَبْرُ سَاعَةٍ . وَقَالَ
زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ الْكِلَابِيُّ يَعْتَذِرُ عَنِ انْهِزَامِ قَوْمِهِ :
سَقَيْنَاهُمُ كَأْسًا سَقَوْنَا بِمِثْلِهَا وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْمَوْتِ أَصْبَرَا
وَحَسْبُكَ بِمَزِيَّةِ الصَّبْرِ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ مُكَمِّلَ سَبَبِ الْفَوْزِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=1وَالْعَصْرِ nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=2إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=3إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَقَالَ هُنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ : ذَكَرَ اللَّهُ الصَّبْرَ فِي الْقُرْآنِ فِي نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ مَوْضِعًا وَأَضَافَ أَكْثَرَ الْخَيْرَاتِ وَالدَّرَجَاتِ إِلَى الصَّبْرِ وَجَعَلَهَا ثَمَرَةً لَهُ ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ
[ ص: 479 ] nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=24وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=137وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=153إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ اهـ .
وَأَنْتَ إِذَا تَأَمَّلْتَ وَجَدْتَ أَصْلَ التَّدَيُّنِ وَالْإِيمَانِ مِنْ ضُرُوبِ الصَّبْرِ فَإِنَّ فِيهِ مُخَالَفَةَ النَّفْسِ هَوَاهَا وَمَأْلُوفَهَا فِي التَّصْدِيقِ بِمَا هُوَ مُغَيَّبٌ عَنِ الْحِسِّ الَّذِي اعْتَادَتْهُ ، وَبِوُجُوبِ طَاعَتِهَا وَاحِدًا مِنْ جِنْسِهَا لَا تَرَاهُ يَفُوقُهَا فِي الْخِلْقَةِ وَفِي مُخَالَفَةِ عَادَةِ آبَائِهَا وَأَقْوَامِهَا مِنَ الدِّيَانَاتِ السَّابِقَةِ .
فَإِذَا صَارَ الصَّبْرُ خُلُقًا لِصَاحِبِهِ هَوَّنَ عَلَيْهِ مُخَالَفَةَ ذَلِكَ كُلِّهِ لِأَجْلِ الْحَقِّ وَالْبُرْهَانِ فَظَهَرَ وَجْهُ الْأَمْرِ بِالِاسْتِعَانَةِ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَنْهُ بِالصَّبْرِ ؛ فَإِنَّهُ خُلُقٌ يَفْتَحُ أَبْوَابَ النُّفُوسِ لِقَبُولِ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=24589الِاسْتِعَانَةُ بِالصَّلَاةِ فَلِأَنَّ الصَّلَاةَ شُكْرٌ وَالشُّكْرُ يُذَكِّرُ بِالنِّعْمَةِ فَيَبْعَثُ عَلَى امْتِثَالِ الْمُنْعِمِ عَلَى أَنَّ فِي الصَّلَاةِ صَبْرًا مِنْ جِهَاتٍ فِي مُخَالَفَةِ حَالِ الْمَرْءِ الْمُعْتَادَةِ وَلُزُومِهِ حَالَةً فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ لَا يَسُوغُ لَهُ التَّخَلُّفُ عَنْهَا وَلَا الْخُرُوجُ مِنْهَا عَلَى أَنَّ فِي الصَّلَاةِ سِرًّا إِلَهِيًّا لَعَلَّهُ نَاشِئٌ عَنْ تَجَلِّي الرِّضْوَانِ الرَّبَّانِيِّ عَلَى الْمُصَلِّي فَلِذَلِكَ نَجِدُ
nindex.php?page=treesubj&link=24589لِلصَّلَاةِ سِرًّا عَظِيمًا فِي تَجْلِيَةِ الْأَحْزَانِ وَكَشْفِ غَمِّ النَّفْسِ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا حَزَبَهُ - بِزَايٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ - أَيْ نَزَلَ بِهِ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلَاةِ وَهَذَا أَمْرٌ يَجِدُهُ مَنْ رَاقَبَهُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَقَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ ضُرُوبًا مِنَ الْعِبَادَاتِ .
وَأَمَّا كَوْنُ الشُّكْرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُعِينًا عَلَى الْخَيْرِ فَهُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=7لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعَادِ ضَمِيرِ ( إِنَّهَا ) فَقِيلَ عَائِدٌ إِلَى الصَّلَاةِ وَالْمَعْنَى : إِنَّ الصَّلَاةَ تَصْعُبُ عَلَى النُّفُوسِ لِأَنَّهَا سِجْنٌ لِلنَّفْسِ وَقِيلَ الضَّمِيرُ لِلِاسْتِعَانَةِ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنِ اسْتَعِينُوا عَلَى حَدِّ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَقِيلَ رَاجِعٌ إِلَى الْمَأْمُورَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَهَذَا الْأَخِيرُ مِمَّا جَوَّزَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَلَعَلَّهُ مِنْ مُبْتَكَرَاتِهِ وَهَذَا أَوْضَحُ الْأَقْوَالِ وَأَجْمَعُهَا وَالْمَحَامِلُ مُرَادَّةٌ .
وَالْمُرَادُ بِالْكَبِيرَةِ هُنَا الصَّعْبَةُ الَّتِي تَشُقُّ عَلَى النُّفُوسِ ، وَإِطْلَاقُ الْكِبَرِ عَلَى الْأَمْرِ الصَّعْبِ وَالشَّاقِّ مَجَازٌ مَشْهُورٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ مِنْ لَوَازِمِ الْأَمْرِ الْكَبِيرِ فِي حَمْلِهِ أَوْ تَحْصِيلِهِ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ الْآيَةَ . وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ [ ص: 480 ] وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ أَيِ الَّذِينَ اتَّصَفُوا بِالْخُشُوعِ ، وَالْخُشُوعُ لُغَةً هُوَ الِانْزِوَاءُ وَالِانْخِفَاضُ قَالَ
النَّابِغَةُ :
وَنُؤْيٌ كَجِذْمِ الْحَوْضِ أَثَلَمُ خَاشِعُ
أَيْ زَالَ ارْتِفَاعُ جَوَانِبِهِ . وَالتَّذَلُّلُ خُشُوعٌ ، قَالَ
جَعْفَرُ بْنُ عَبْلَةَ الْحَارِثِيُّ :
فَلَا تَحْسَبِي أَنِّي تَخَشَّعْتُ بَعْدَكُمْ لِشَيْءٍ وَلَا أَنِّي مِنَ الْمَوْتِ أَفْرَقُ
وَهُوَ مَجَازٌ فِي خُشُوعِ النَّفْسِ وَهُوَ سُكُونٌ وَانْقِبَاضٌ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَى الْإِبَايَةِ أَوِ الْعِصْيَانِ . وَالْمُرَادُ بِالْخَاشِعِ هُنَا الَّذِي ذَلَّلَ نَفْسَهُ وَكَسَرَ سُورَتَهَا وَعَوَّدَهَا أَنْ تَطْمَئِنَّ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ وَتَطْلُبَ حُسْنَ الْعَوَاقِبِ وَأَنْ لَا تَغْتَرَّ بِمَا تُزَيِّنُهُ الشَّهْوَةُ الْحَاضِرَةُ فَهَذَا الَّذِي كَانَتْ تِلْكَ صِفَتَهُ قَدِ اسْتَعَدَّتْ نَفْسُهُ لِقَبُولِ الْخَيْرِ .
وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَاشِعِينَ هُنَا الْخَائِفُونَ النَّاظِرُونَ فِي الْعَوَاقِبِ فَتَخِفُّ عَلَيْهِمُ الِاسْتِعَانَةُ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ مَعَ مَا فِي الصَّبْرِ مِنَ الْقَمْعِ لِلنَّفْسِ وَمَا فِي الصَّلَاةِ مِنَ الْتِزَامِ أَوْقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ وَطَهَارَةٍ فِي أَوْقَاتٍ قَدْ يَكُونُ لِلْعَبْدِ فِيهَا اشْتِغَالٌ بِمَا يَهْوَى أَوْ بِمَا يُحَصِّلُ مِنْهُ مَالًا أَوْ لَذَّةً . وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُ
كُثَيِّرٍ :
فَقُلْتُ لَهَا يَا عَزُّ كُلُّ مُصِيبَةٍ إِذَا وُطِّنَتْ يَوْمًا لَهَا النَّفْسُ ذَلَّتِ
وَأَحْسَبُ أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ قَصَدَ الشَّارِعُ مِنْهَا هَذَا الْمَعْنَى وَأَعْظَمَهُا الصَّوْمُ . وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ الْخُشُوعِ هُنَا عَلَى خُصُوصِ
nindex.php?page=treesubj&link=25353الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ بِسَبَبِ الْحَالِ الْحَاصِلِ فِي النَّفْسِ بِاسْتِشْعَارِ الْعَبْدِ الْوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى حَسْبَمَا شَرَحَهُ
ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَيَانِ . وَالتَّحْصِيلُ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=2الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ صِفَاتِ الصَّلَاةِ وَكَمَالِ الْمُصَلِّي فَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ هُوَ الْمُخَفِّفَ لِكُلْفَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْتَعِينِ بِالصَّلَاةِ كَمَا لَا يَخْفَى .
وَقَدْ وَصَفَ تَعَالَى الْخَاشِعِينَ بِأَنَّهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَهِيَ صِلَةٌ لَهَا مَزِيدُ اتِّصَالٍ بِمَعْنَى الْخُشُوعِ فَفِيهَا مَعْنَى التَّفْسِيرِ لِلْخَاشِعِينَ وَمَعْنَى بَيَانِ مَنْشَأِ خُشُوعِهِمْ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الظَّنِّ هُنَا الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ وَإِطْلَاقُ الظَّنِّ فِي كَلَامِ
[ ص: 481 ] الْعَرَبِ عَلَى مَعْنَى الْيَقِينِ كَثِيرٌ جِدًّا ، قَالَ
أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ يَصِفُ صَيَّادًا رَمَى حِمَارَ وَحْشٍ بِسَهْمٍ :
فَأَرْسَلَهُ مُسْتَيْقِنَ الظَّنِّ أَنَّهُ مُخَالِطُ مَا بَيْنَ الشَّرَاسِيفِ جَائِفُ
وَقَالَ
دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ :
فَقُلْتُ لَهُمْ ظُنُّوا بِأَلْفَيْ مُدَجَّجِ سَرَاتُهُمْ بِالْفَارِسِيِّ الْمُسَرَّجِ
فَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ وَبَيْنَ الِاعْتِقَادِ الرَّاجِحِ وَالْمُلَاقَاةُ وَالرُّجُوعُ هُنَا مَجَازَانِ عَنِ الْحِسَابِ وَالْحَشْرِ أَوْ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَالثَّوَابِ ; لِأَنَّ حَقِيقَةَ اللِّقَاءِ وَهُوَ تَقَارِبُ الْجِسْمَيْنِ ، وَحَقِيقَةَ الرُّجُوعِ وَهُوَ الِانْتِهَاءُ إِلَى مَكَانٍ خَرَجَ مِنْهُ الْمُنْتَهِي مُسْتَحِيلَةٌ هُنَا .
وَالْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَخِ التَّعْرِيضُ بِالثَّنَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَتَحْرِيضُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى التَّهَمُّمِ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْمُؤْمِنِينَ وَعَلَى جَعْلِ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45وَاسْتَعِينُوا ) لِلْمُسْلِمِينَ يَكُونُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ تَعْرِيضًا بِغَيْرِهِمْ مِنَ
الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ .
وَالْمُلَاقَاةُ مُفَاعَلَةٌ مَنْ لَقِيَ ، وَاللِّقَاءُ الْحُضُورُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=37فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ وَالْمُرَادُ هُنَا الْحُضُورُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ لِلْحِسَابِ أَيِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلٌ لَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، وَفِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=31قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ