قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين .
استئناف بياني لأن قوله ما عندي ما تستعجلون به يثير سؤالا في نفس السامع أن يقول : فلو كان بيدك إنزال العذاب بهم ماذا تصنع ، فأجيب بقوله لو أن عندي ما تستعجلون به الآية . وإذ قد كان قوله لو أن عندي إلخ استئنافا بيانيا فالأمر بأن يقوله في قوة الاستئناف البياني لأن الكلام لما بني كله على تلقين الرسول ما يقوله لهم فالسائل يتطلب من الملقن ماذا سيلقن به رسوله إليهم . ومعنى عندي ما تستعجلون به تقدم آنفا ، أي لو كان في علمي حكمته وفي قدرتي فعله . وهذا كناية عن معنى لست إلها ولكنني عبد أتبع ما يوحى إلي .
وقوله لقضي الأمر بيني وبينكم جواب ( لو ) . فمعنى قضي تم وانتهى . والأمر مراد به النزاع والخلاف . فالتعريف فيه للعهد ، وبني قضي الأمر للمجهول لظهور أن قاضيه هو من بيده ما يستعجلون به .
وتركيب قضي الأمر شاع فجرى مجرى المثل ، فحذف الفاعل ليصلح التمثل به في كل مقام ، ومنه قوله قضي الأمر الذي فيه تستفتيان وقوله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وقوله وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر ; ولذلك إذا جاء في غير طريقة المثل يصرح بفاعله كقوله تعالى وقضينا إليه ذلك الأمر .
وذلك القضاء يحتمل أمورا : منها أن يأتيهم بالآية المقترحة فيؤمنوا ، أو أن يغضب فيهلكهم ، أو أن يصرف قلوبهم عن طلب ما لا يجيبهم إليه فيتوبوا ويرجعوا .
[ ص: 270 ] وجملة والله أعلم بالظالمين تذييل ، أي الله أعلم مني ومن كل أحد بحكمة تأخير العذاب وبوقت نزوله ، لأنه العليم الخبير الذي عنده ما تستعجلون به . والتعبير بالظالمين إظهار في مقام ضمير الخطاب لإشعارهم بأنهم ظالمون في شركهم إذ اعتدوا على حق الله ، وظالمون في تكذيبهم إذ اعتدوا على حق الله ورسوله ، وظالمون في معاملتهم الرسول صلى الله عليه وسلم .