قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين .
هذا استئناف مكرر لما قبله ، وهو تدرج في الغرض المشترك بينها من أن متوعد صاحبه بالعذاب وموعود تاركه بالرحمة . فقوله الشرك بالله أغير الله أتخذ وليا الآية - رفض للشرك بالدليل العقلي .
وقوله : قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم الآية ، رفض للشرك امتثالا لأمر الله وجلاله .
وقوله هنا : قل إني أخاف الآية تجنب للشرك خوفا من العقاب وطمعا في الرحمة . وقد جاءت مترتبة على ترتيبها في نفس الأمر .
[ ص: 161 ] وفهم من قوله : إن عصيت ربي أن الآمر له بأن يكون أول من أسلم والناهي عن كونه من المشركين هو الله تعالى .
وفي العدول عن اسم الجلالة إلى قوله ربي إيماء إلى أن عصيانه أمر قبيح لأنه ربه فكيف يعصيه .
وأضيف العذاب إلى يوم عظيم تهويلا له لأن في معتاد العرب أن يطلق اليوم على يوم نصر فريق وانهزام فريق من المحاربين ، فيكون اليوم نكالا على المنهزمين ، إذ يكثر فيهم القتل والأسر ويسام المغلوب سوء العذاب ، فذكر يوم يثير من الخيال مخاوف مألوفة ، ولذلك قال الله تعالى : فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم ولم يقل عذاب الظلة إنه كان عذابا عظيما . وسيأتي بيان ذلك مفصلا عند قوله تعالى : يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن في سورة التغابن ، وبهذا الاعتبار حسن جعل إضافة العذاب إلى اليوم العظيم كناية عن عظم ذلك العذاب ، لأن عظمة اليوم العظيم تستلزم عظم ما يقع فيه عرفا .
وقوله : من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه جملة من شرط وجزاء وقعت موقع الصفة لـ ( عذاب ) .
و يصرف مبني للمجهول في قراءة الأكثر ، على أنه رافع لضمير العذاب أو لضمير ( من ) على النيابة عن الفاعل . والضمير المجرور بـ ( عن ) عائد إلى ( من ) أي يصرف العذاب عنه ، أو عائد إلى العذاب ، أي من يصرف هو عن العذاب ، وعلى عكس هذا العود يكون عود الضمير المستتر في قوله يصرف .
وقرأه حمزة ، ، والكسائي وأبو بكر عن عاصم ، ويعقوب ، وخلف ( يصرف ) بالبناء للفاعل على أنه رافع لضمير ربي على الفاعلية .
أما الضمير المستتر في رحمه فهو عائد إلى ربي ، والمنصوب عائد إلى ( من ) على كلتا القراءتين .
ومعنى وصف العذاب بمضمون جملة الشرط والجزاء ، أي من وفقه الله لتجنب أسباب ذلك العذاب فهو قد قدر الله له الرحمة ويسر له أسبابها .
[ ص: 162 ] والمقصود من هذا الكلام إثبات مقابل قوله : إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم . كأنه قال : أرجو إن أطعته أن يرحمني ربي ، لأن من صرف عنه العذاب ثبتت له الرحمة . فجاء في إفادة هذا المعنى بطريقة المذهب الكلامي . وهو ذكر الدليل ليعلم المدلول . وهذا ضرب من الكناية وأسلوب بديع بحيث يدخل المحكوم له في الحكم بعنوان كونه فردا من أفراد العموم الذين ثبت لهم الحكم .
ولذلك عقبه بقوله : وذلك الفوز المبين . والإشارة موجهة إلى الصرف المأخوذ من قوله : من يصرف عنه أو إلى المذكور . وإنما كان الصرف عن العذاب فوزا لأنه إذا صرف عن العذاب في ذلك اليوم فقد دخل في النعيم في ذلك اليوم . قال تعالى : فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز . والمبين اسم فاعل من أبان بمعنى بان .