وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين .
عطفت جملة وأطيعوا على جملة فهل أنتم منتهون ، وهي كالتذييل ، لأن طاعة الله ورسوله تعم ترك الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وتعم غير ذلك من وجوه الامتثال والاجتناب . وكرر وأطيعوا اهتماما بالأمر بالطاعة . وعطف واحذروا على أطيعوا أي وكونوا على حذر . وحذف مفعول احذروا لينزل الفعل منزلة اللازم لأن القصد التلبس بالحذر في أمور الدين ، أي الحذر من الوقوع فيما يأباه الله ورسوله ، وذلك أبلغ من أن يقال واحذروهما ، لأن الفعل اللازم يقرب معناه من معنى أفعال السجايا ، ولذلك يجيء اسم الفاعل منه على زنة فعل كفرح ونهم .
[ ص: 31 ] وقوله فإن توليتم تفريع عن أطيعوا واحذروا . والتولي هنا استعارة للعصيان ، شبه العصيان بالإعراض والرجوع عن الموضع الذي كان به العاصي ، بجامع المقاطعة والمفارقة ، وكذلك يطلق عليه الإدبار . ففي حديث ابن صياد : ولئن أدبرت ليعقرنك الله . أي أعرضت عن الإسلام .
وقوله فاعلموا هو جواب الشرط باعتبار لازم معناه لأن المعنى : فإن توليتم عن طاعة الرسول فاعلموا أن لا يضر توليكم الرسول لأن عليه البلاغ فحسب ، أي وإنما يضركم توليكم ، ولولا لازم هذا الجواب لم ينتظم الربط بين التولي وبين علمهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام ما أمر إلا بالتبليغ . وذكر فعل فاعلموا للتنبيه على أهمية الخبر كما بيناه عند قوله تعالى واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه في سورة البقرة .
وكلمة أنما بفتح الهمزة تقيد الحصر ، مثل ( إنما ) المكسورة الهمزة ، فكما أفادت المكسورة الحصر بالاتفاق فالمفتوحتها تفيد الحصر لأنها فرع عن المكسورة إذ هي أختها . ولا ينبغي بقاء خلاف من خالف في إفادتها الحصر ، والمعنى أن أمره محصور في التبليغ لا يتجاوزه إلى القدرة على هدي المبلغ إليهم .
وفي إضافة الرسول إلى ضمير الجلالة تعظيم لجانب هذه الرسالة وإقامة لمعذرته في التبليغ بأنه رسول من القادر على كل شيء ، فلو شاء مرسله لهدى المرسل إليهم فإذا لم يهتدوا فليس ذلك لتقصير من الرسول .
ووصف البلاغ بـ المبين استقصاء في معذرة الرسول وفي الإعذار للمعرضين عن الامتثال بعد وضوح البلاغ وكفايته وكونه مؤيدا بالحجة الساطعة .