وما هو بقول شيطان رجيم .
عطف على إنه لقول رسول كريم ، وهذا رجوع إلى ما أقسم عليه من أن القرآن قول رسول كريم ، بعد أن استطرد بينهما بتلك المستطردات الدالة على زيادة كمال هذا القول بقدسية مصدره ومكانة حامله عند الله وصدق متلقيه منه عن رؤيا محقة لا تخيل فيها ، فكان التخلص إلى العود لتنزيه القرآن بمناسبة ذكر الغيب في قوله تعالى : وما هو على الغيب بضنين .
فإن القرآن من أمر الغيب الذي أوحي به إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وفيه كثير من الأخبار عن أمور الغيب الجنة والنار ونحو ذلك .
وقد علم أن الضمير عائد إلى القرآن ; لأنه أخبر عن الضمير بالقول الذي هو من جنس الكلام إذ قال : وما هو بقول شيطان رجيم فكان المخبر عنه من قبيل الأقوال لا محالة ، فلا يتوهم أن الضمير عائد إلى ما عاد إليه ضمير وما هو على الغيب بضنين .
[ ص: 164 ] وهذا إبطال لقول المشركين فيه : إنه كاهن ، فإنهم كانوا يزعمون أن الكهان تأتيهم الشياطين بأخبار الغيب ، قال تعالى : وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون وقال : وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون وقال : هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم وهم كانوا يزعمون أن الكاهن كان يتلقى عن شيطانه ويسمون شيطانه رئيا .
وفي حديث فترة الوحي ونزول سورة والضحى : أن حمالة الحطب امرأة أبي لهب وهي أم جميل بنت حرب قالت للنبيء - صلى الله عليه وسلم - أرى شيطانك قد قلاك .
ورجيم فعيل بمعنى مفعول ، أي : مرجوم . والمرجوم : المبعد الذي يتباعد الناس من شره فإذا أقبل عليهم رجموه فهو وصف كاشف للشيطان لأنه لا يكون إلا متبرأ منه .