يعود ضمير عليهم إلى وأكثرهم الفاسقون وهو خاص باليهود لا محالة ، وهو كالبيان لقوله ثم لا ينصرون .
والجملة بيانية لذكر حال شديد من شقائهم في الدنيا .
ومعنى ضرب الذلة اتصالها بهم وإحاطتها ، ففيه استعارة مكنية وتبعية شبهت الذلة ، وهي أمر معقول ، بقبة أو خيمة شملتهم وشبه اتصالها وثباتها بضرب القبة وشد أطنابها ، وقد تقدم نظيره في البقرة .
وثقفوا في الأصل أخذوا في الحرب فإما تثقفنهم في الحرب وهذه المادة تدل على تمكن من أخذ الشيء ، وتصرف فيه بشدة ، ومنها سمي الأسر ثقافا . والثقاف آلة كالكلوب تكسر به أنابيب قنا الرماح . قال النابغة :
عض الثقاف على صم الأنابيب
والمعنى هنا : أينما عثر عليهم ، أو أينما وجدوا ، أي هم لا يوجدون إلا محكومين ، شبه حال ملاقاتهم في غير الحرب بحال أخذ الأسير لشدة ذلهم .[ ص: 56 ] وقوله إلا بحبل من الله وحبل من الناس الحبل مستعار للعهد ، وتقدم ما يتعلق بذلك عند قوله تعالى فقد استمسك بالعروة الوثقى - في سورة البقرة - وعهد الله ذمته ، وعهد الناس حلفهم ، ونصرهم ، والاستثناء من عموم الأحوال وهي أحوال دلت عليها الباء التي للمصاحبة . والتقدير : ضربت عليهم الذلة متلبسين بكل حال إلا متلبسين بعهد من الله وعهد من الناس ، فالتقدير : فذهبوا بذلة إلا بحبل من الله .
والمعنى لا يسلمون من الذلة إلا إذا تلبسوا بعهد من الله ، أي ذمة الإسلام ، أو إذا استنصروا بقبائل أولي بأس شديد ، وأما هم في أنفسهم فلا نصر لهم . وهذا من دلائل النبوة فإن اليهود كانوا أعزة بيثرب وخيبر والنضير وقريظة ، فأصبحوا أذلة وعمتهم المذلة في سائر أقطار الدنيا .
وباءوا بغضب من الله أي رجعوا وهو مجاز لمعنى صاروا إذ لا رجوع هنا .
والمسكنة الفقر الشديد مشتقة من اسم المسكين وهو الفقير ، ولعل اشتقاقه من السكون وهو سكون خيالي أطلق على قلة الحيلة في العيش . والمراد بضرب المسكنة عليهم تقديرها لهم وهو إخبار بمغيب لأن اليهود المخبر عنهم قد أصابهم الفقر حين أخذت منازلهم في خيبر والنضير وقينقاع وقريظة ، ثم بإجلائهم بعد ذلك في زمن عمر .