nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=26nindex.php?page=treesubj&link=29046_27632كلا إذا بلغت التراقي nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=27وقيل من راق nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=28وظن أنه الفراق nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=29والتفت الساق بالساق nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=30إلى ربك يومئذ المساق
ردع ثان على قول الإنسان (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=6أيان يوم القيامة ) ، مؤكد للردع الذي قبله في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=20كلا بل تحبون العاجلة ) . ومعناه زجر عن إحالة البعث فإنه واقع غير بعيد فكل أحد يشاهده حين الاحتضار للموت كما يؤذن به قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=30إلى ربك يومئذ المساق ) ، أتبع توصيف أشراط القيامة المباشرة لحلوله بتوصيف أشراط حلول التهيؤ الأول للقائه من مفارقة الحياة الأولى .
[ ص: 357 ] وعن
nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة يقولون : القيامة القيامة ، وإنما قيامة أحدهم موته ، وعن
علقمة أنه حضر جنازة فلما دفن قال : ( أما هذا فقد قامت قيامته ) ، فحالة
nindex.php?page=treesubj&link=1980_27632الاحتضار هي آخر أحوال الحياة الدنيا يعقبها مصير الروح إلى تصرف الله تعالى مباشرة .
وهو ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة كأنه قيل : ارتدعوا وتنبهوا على ما بين أيديكم من الموت الذي عنده تنقطع العاجلة وتنتقلون إلى الآجلة ، فيكون ردعا على محبة العاجلة وترك العناية في الآخرة ، فليس مؤكدا للردع الذي في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=20كلا بل تحبون العاجلة ) بل هو ردع على ما تضمنه ذلك الردع من إيثار العاجلة على الآخرة .
و (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=26إذا بلغت التراقي ) متعلق بالكون الذي يقدر في الخبر وهو قوله ( إلى ربك ) . والمعنى : المساق يكون إلى ربك إذا بلغت التراقي .
وجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=30إلى ربك يومئذ المساق ) بيان للردع وتقريب لإبطال الاستبعاد المحكي عن منكري البعث بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=6يسأل أيان يوم القيامة ) .
و ( إذا ) ظرف مضمن معنى الشرط ، وهو منتصب بجوابه أعني قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=30إلى ربك يومئذ المساق ) .
وتقديم ( إلى ربك ) على متعلقه وهو ( المساق ) للاهتمام به لأنه مناط الإنكار منهم .
وضمير ( بلغت ) راجع إلى غير مذكور في الكلام ولكنه معلوم من فعل ( بلغت ) ومن ذكر ( التراقي ) فإن فعل (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=26بلغت التراقي ) يدل أنها روح الإنسان . والتقدير : إذا بلغت الروح أو النفس . وهذا التقدير يدل عليه الفعل الذي أسند إلى الضمير بحسب عرف أهل اللسان ، ومثله قول
حاتم الطائي :
أماوي ما يغني الثراء عن الفـتـى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
أي إذا حشرجت النفس . ومن هذا الباب قول العرب " أرسلت " يريدون : أرسلت السماء المطر ، ويجوز أن يقدر في الآية ما يدل عليه الواقع .
[ ص: 358 ] والأنفاس : جمع نفس بفتح الفاء ، وهو أنسب بالحقائق .
والتراقي : جمع ترقوة - بفتح الفوقية وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو مخففة وهاء تأنيث - وهي ثغرة النحر ، ولكل إنسان ترقوتان عن يمينه وعن شماله .
فالجمع هنا مستعمل في التثنية لقصد تخفيف اللفظ وقد أمن اللبس ، لأن في تثنية ترقوة شيئا من الثقل لا يناسب أفصح كلام ، وهذا مثل ما جاء في قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=4فقد صغت قلوبكما ) في سورة التحريم .
ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=26بلغت التراقي ) : أن الروح بلغت الحنجرة حيث تخرج الأنفاس الأخيرة فلا يسمع صوتها إلا في جهة الترقوة وهي آخر حالات الاحتضار ، ومثله قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=83فلولا إذا بلغت الحلقوم ) الآية .
واللام في ( التراقي ) مثل اللام في ( المساق ) فيقال : هي عوض عن المضاف إليه ، أي بلغت روحه تراقيه ، أي الإنسان .
ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=27وقيل من راق ) وقال قائل : من يرقي هذا رقيات لشفائه ؟ أي سأل أهل المريض عن وجدان أحد يرقي ، وذلك عند توقع اشتداد المرض به . والبحث عن عارف برقية المريض عادة عربية ورد ذكرها في حديث السرية الذين أتوا على حي من أحياء العرب إذ لدغ سيد ذلك الحي فعرض لهم رجل من أهل الحي ، فقال : هل فيكم من راق ؟ إن في الماء رجلا لديغا أو سليما . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري nindex.php?page=showalam&ids=11وعبد الله بن عباس في الرقيا بفاتحة الكتاب .
والرقيا بالقصر ، ويقال بهاء تأنيث : هي كلام خاص معتقد نفعه يقوله قائل عند المريض واضعا يده في وقت القراءة على موضع الوجع من المريض أو على رأس المريض ، أو يكتبه الكاتب في خرقة ، أو ورقة وتعلق على المريض ، وكانت من خصائص التطبب يزعمون أنها تشفي من صرع الجنون ومن ضر السموم ومن الحمى .
ويختص بمعرفتها ناس يزعمون أنهم يتلقونها من عارفين فلذلك سموا الراقي ونحوه عرافا ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15876رؤبة بن العجاج :
بذلت لعراف اليمامة حكمـه وعراف نجد إن هما شفياني
فما تركا من عوذة يعرفانهـا ولا رقية بـهـا رقـيانـي
[ ص: 359 ] وقال
النابغة يذكر حالة من لدغته أفعى :
تناذرها الراقون من سوء سمعها تطلقه طورا وطورا تراجـع
وكان الراقي ينفث على المرقي ويتفل ، وأشار إليه
الحريري في المقامة التاسعة والثلاثين بقوله : ثم إنه طمس المكتوب على غفلة ، وتفل عليه مائة تفلة .
وأصل الرقية : ما ورثه العرب من طلب البركة بأهل الصلاح والدعاء إلى الله ، فأصلها وارد من الأديان السماوية ، ثم طرأ عليها سوء الوضع عند أهل الضلالة فألحقوها بالسحر أو بالطب ، ولذلك يخلطونها من أقوال ربما كانت غير مفهومة ، ومن أشياء كأحجار أو أجزاء من عظم الحيوان أو شعره ، فاختلط أمرها في الأمم الجاهلة ، وقد جاء في الإسلام
nindex.php?page=treesubj&link=18630الاستشفاء بالقرآن والدعوات المأثورة المتقبلة من أربابها وذلك من قبيل الدعاء .
والضمير المستتر في ( ظن ) عائد إلى الإنسان في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=5بل يريد الإنسان ) أي الإنسان الفاجر .
والظن : العلم المقارب لليقين ، وضمير ( أنه ) ضمير شأن ، أي وأيقن أنه ، أي الأمر العظيم الفراق ، أي فراق الحياة .
وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=29والتفت الساق بالساق ) إن حمل على ظاهره ، فالمعنى التفاف ساقي المحتضر بعد موته إذ تلف الأكفان على ساقيه ويقرن بينهما في ثوب الكفن فكل ساق منهما ملتفة صحبة الساق الأخرى ، فالتعريف عوض عن المضاف إليه ، وهذا نهاية وصف الحالة التي تهيأ بها لمصيره إلى القبر الذي هو أول مراحل الآخرة .
ويجوز أن يكون ذلك تمثيلا فإن العرب يستعملون الساق مثلا في الشدة وجد الأمر تمثيلا بساق الساعي أو الناهض لعمل عظيم ، يقولون : قامت الحرب على ساق .
وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قول الراجز :
صبرا عنـاق إنـه لـشـربـاق قد سن لي قومك ضرب الأعناق
وقامت الحرب بنا على ساق
[ ص: 360 ] وتقدم في قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=42يوم يكشف عن ساق ) في سورة القلم .
فمعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=29والتفت الساق بالساق ) طرأت مصيبة على مصيبة .
والخطاب في قوله ( إلى ربك ) التفات عن طريق خطاب الجماعة في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=20بل تحبون العاجلة ) لأنه لما كان خطابا لغير معين حسن التفنن فيه .
والتعريف في ( المساق ) تعريف الجنس الذي يعم الناس كلهم بما فيهم الإنسان الكافر المردود عليه . ولك أن تعبر عن اللام بأنها عوض عن المضاف إليه ، أي مساق الإنسان الذي يسأل : أيان يوم القيامة .
والمساق : مصدر ميمي لـ ( ساق ) ، وهو تسيير ماش أمام مسيره إلى حيث يريد مسيره ، وضده القود ، وهو هنا مجاز مستعمل في معنى الإحضار والإيصال إلى حيث يلقى جزاء ربه .
وسلك في الجمل التي بعد ( إذا ) مسلك الإطناب
nindex.php?page=treesubj&link=32883لتهويل حالة الاحتضار على الكافر وفي ذلك إيماء إلى أن الكافر يتراءى له مصيره في حالة احتضاره ، وقد دل عليه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت في الصحيح عن النبيء - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002768قال من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قالت عائشة أو بعض أزواجه : إنا نكره الموت . قال : ليس ذاك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه ، وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه فكره لقاء الله وكره الله لقاءه .
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=26nindex.php?page=treesubj&link=29046_27632كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=27وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=28وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=29وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=30إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ
رَدْعٌ ثَانٍ عَلَى قَوْلِ الْإِنْسَانِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=6أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ) ، مُؤَكِّدٌ لِلرَّدْعِ الَّذِي قَبْلَهُ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=20كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ) . وَمَعْنَاهُ زَجْرٌ عَنْ إِحَالَةِ الْبَعْثِ فَإِنَّهُ وَاقِعٌ غَيْرُ بَعِيدٍ فَكُلُّ أَحَدٍ يُشَاهِدُهُ حِينَ الِاحْتِضَارِ لِلْمَوْتِ كَمَا يُؤْذِنُ بِهِ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=30إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ) ، أُتْبِعَ تَوْصِيفُ أَشْرَاطِ الْقِيَامَةِ الْمُبَاشِرَةِ لِحُلُولِهِ بِتَوْصِيفِ أَشْرَاطِ حُلُولِ التَّهَيُّؤِ الْأَوَّلِ لِلِقَائِهِ مِنْ مُفَارَقَةِ الْحَيَاةِ الْأُولَى .
[ ص: 357 ] وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=19الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ يَقُولُونَ : الْقِيَامَةُ الْقِيَامَةُ ، وَإِنَّمَا قِيَامَةُ أَحَدِهِمْ مَوْتُهُ ، وَعَنْ
عَلْقَمَةَ أَنَّهُ حَضَرَ جِنَازَةً فَلَمَّا دُفِنَ قَالَ : ( أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ ) ، فَحَالَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=1980_27632الِاحْتِضَارِ هِيَ آخِرُ أَحْوَالِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يَعْقُبُهَا مَصِيرُ الرُّوحِ إِلَى تَصَرُّفِ اللَّهِ تَعَالَى مُبَاشَرَةً .
وَهُوَ رَدْعٌ عَنْ إِيثَارِ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ كَأَنَّهُ قِيلَ : ارْتَدِعُوا وَتَنَبَّهُوا عَلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ مِنَ الْمَوْتِ الَّذِي عِنْدَهُ تَنْقَطِعُ الْعَاجِلَةُ وَتَنْتَقِلُونَ إِلَى الْآجِلَةِ ، فَيَكُونُ رَدْعًا عَلَى مَحَبَّةِ الْعَاجِلَةِ وَتَرْكِ الْعِنَايَةِ فِي الْآخِرَةِ ، فَلَيْسَ مُؤَكِّدًا لِلرَّدْعِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=20كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ) بَلْ هُوَ رَدْعٌ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ ذَلِكَ الرَّدْعُ مِنْ إِيثَارِ الْعَاجِلَةِ عَلَى الْآخِرَةِ .
وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=26إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ) مُتَعَلِّقٌ بِالْكَوْنِ الَّذِي يُقَدَرُ فِي الْخَبَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ ( إِلَى رَبِّكَ ) . وَالْمَعْنَى : الْمَسَاقُ يَكُونُ إِلَى رَبِّكَ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِي .
وَجُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=30إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ) بَيَانٌ لِلرَّدْعِ وَتَقْرِيبٌ لِإِبْطَالِ الِاسْتِبْعَادِ الْمَحْكِيِّ عَنْ مُنْكِرِي الْبَعْثِ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=6يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ) .
وَ ( إِذَا ) ظَرْفٌ مُضَمَّنٌ مَعْنَى الشَّرْطِ ، وَهُوَ مُنْتَصِبٌ بِجَوَابِهِ أَعْنِي قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=30إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ) .
وَتَقْدِيمُ ( إِلَى رَبِّكَ ) عَلَى مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ ( الْمَسَاقُ ) لِلِاهْتِمَامِ بِهِ لِأَنَّهُ مَنَاطُ الْإِنْكَارِ مِنْهُمْ .
وَضَمِيرُ ( بَلَغَتْ ) رَاجِعٌ إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ فِي الْكَلَامِ وَلَكِنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ فِعْلِ ( بَلَغَتْ ) وَمِنْ ذِكْرِ ( التَّرَاقِيَ ) فَإِنَّ فِعْلَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=26بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ) يَدُلُّ أَنَّهَا رُوحُ الْإِنْسَانِ . وَالتَّقْدِيرُ : إِذَا بَلَغَتِ الرُّوحُ أَوِ النَّفْسُ . وَهَذَا التَّقْدِيرُ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ الَّذِي أُسْنِدَ إِلَى الضَّمِيرِ بِحَسَبِ عُرْفِ أَهْلِ اللِّسَانِ ، وَمَثَلُهُ قَوْلُ
حَاتِمٍ الطَّائِيِّ :
أَمَاوِيَّ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَـتَـى إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ
أَيْ إِذَا حَشْرَجَتِ النَّفْسُ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ الْعَرَبِ " أَرْسَلَتْ " يُرِيدُونَ : أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ الْمَطَرَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْوَاقِعُ .
[ ص: 358 ] وَالْأَنْفَاسُ : جَمْعُ نَفَسٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ ، وَهُوَ أَنْسَبُ بِالْحَقَائِقِ .
وَالتَّرَاقِي : جَمْعُ تَرْقُوَةٍ - بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْوَاوِ مُخَفَّفَةٍ وَهَاءِ تَأْنِيثٍ - وَهِيَ ثُغْرَةُ النَّحْرِ ، وَلِكُلِّ إِنْسَانٍ تَرْقُوَتَانِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ .
فَالْجَمْعُ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّثْنِيَةِ لِقَصْدِ تَخْفِيفِ اللَّفْظِ وَقَدْ أُمِنَ اللَّبْسُ ، لِأَنَّ فِي تَثْنِيَةِ تَرْقُوَةٍ شَيْئًا مِنَ الثِّقَلِ لَا يُنَاسِبُ أَفْصَحَ كَلَامٍ ، وَهَذَا مِثْلُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=4فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ .
وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=26بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ) : أَنَّ الرُّوحَ بَلَغَتِ الْحَنْجَرَةَ حَيْثُ تَخْرُجُ الْأَنْفَاسُ الْأَخِيرَةُ فَلَا يُسْمَعُ صَوْتُهَا إِلَّا فِي جِهَةِ التَّرْقُوَةِ وَهِيَ آخِرُ حَالَاتِ الِاحْتِضَارِ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=83فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ) الْآيَةَ .
وَاللَّامُ فِي ( التَّرَاقِيَ ) مِثْلُ اللَّامِ فِي ( الْمَسَاقُ ) فَيُقَالُ : هِيَ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ ، أَيْ بَلَغَتْ رُوحُهُ تَرَاقِيَهُ ، أَيِ الْإِنْسَانِ .
وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=27وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ) وَقَالَ قَائِلٌ : مَنْ يَرْقِي هَذَا رُقْيَاتٍ لِشِفَائِهِ ؟ أَيْ سَأَلَ أَهْلُ الْمَرِيضِ عَنْ وِجْدَانِ أَحَدٍ يَرْقِي ، وَذَلِكَ عِنْدَ تَوَقُّعِ اشْتِدَادِ الْمَرَضِ بِهِ . وَالْبَحْثُ عَنْ عَارِفٍ بِرُقْيَةِ الْمَرِيضِ عَادَةٌ عَرَبِيَّةٌ وَرَدَ ذِكْرُهَا فِي حَدِيثِ السَّرِيَّةِ الَّذِينَ أَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ إِذْ لُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحَيِّ ، فَقَالَ : هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ ؟ إِنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا . رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=11وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي الْرُقْيَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ .
وَالْرُقْيَا بِالْقَصْرِ ، وَيُقَالُ بَهَاءِ تَأْنِيثٍ : هِيَ كَلَامٌ خَاصٌّ مُعْتَقَدٌ نَفْعُهُ يَقُولُهُ قَائِلٌ عِنْدَ الْمَرِيضِ وَاضِعًا يَدَهُ فِي وَقْتِ الْقِرَاءَةِ عَلَى مَوْضِعِ الْوَجَعِ مِنَ الْمَرِيضِ أَوْ عَلَى رَأْسِ الْمَرِيضِ ، أَوْ يَكْتُبُهُ الْكَاتِبُ فِي خِرْقَةٍ ، أَوْ وَرَقَةٍ وَتُعَلَّقُ عَلَى الْمَرِيضِ ، وَكَانَتْ مِنْ خَصَائِصِ التَّطَبُّبَ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا تَشْفِي مِنْ صَرَعِ الْجُنُونِ وَمِنْ ضُرِّ السُّمُومِ وَمِنَ الْحُمَّى .
وَيَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهَا نَاسٌ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَهَا مِنْ عَارِفِينَ فَلِذَلِكَ سَمَّوُا الرَّاقِيَ وَنَحْوَهُ عَرَّافًا ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15876رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ :
بَذَلْتُ لِعَرَّافِ الْيَمَامَةِ حُكْمَـهُ وَعَرَّافِ نَجْدٍ إِنْ هُمَا شَفَيَانِي
فَمَا تَرَكَا مِنْ عُوذَةٍ يَعْرِفَانِهَـا وَلَا رُقْيَةٍ بِـهَـا رَقَـيَانِـيِ
[ ص: 359 ] وَقَالَ
النَّابِغَةُ يَذْكُرُ حَالَةَ مَنْ لَدَغَتْهُ أَفْعَى :
تَنَاذَرَهَا الرَّاقُونَ مِنْ سُوءِ سَمْعِهَا تُطْلِقُهُ طَوْرًا وَطَوْرًا تُرَاجِـعُ
وَكَانَ الرَّاقِي يَنْفُثُ عَلَى الْمَرْقِيِّ وَيَتْفُلُ ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ
الْحَرِيرِيُّ فِي الْمَقَامَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَلَاثِينَ بِقَوْلِهِ : ثُمَّ إِنَّهُ طَمَسَ الْمَكْتُوبَ عَلَى غَفْلَةٍ ، وَتَفَلَ عَلَيْهِ مِائَةَ تَفْلَةٍ .
وَأَصْلُ الرُّقْيَةِ : مَا وَرِثَهُ الْعَرَبُ مِنْ طَلَبِ الْبَرَكَةِ بِأَهْلِ الصَّلَاحِ وَالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ ، فَأَصْلُهَا وَارِدٌ مِنَ الْأَدْيَانِ السَّمَاوِيَّةِ ، ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهَا سُوءُ الْوَضْعِ عِنْدَ أَهْلِ الضَّلَالَةِ فَأَلْحَقُوهَا بِالسِّحْرِ أَوْ بِالطِّبِّ ، وَلِذَلِكَ يَخْلِطُونَهَا مِنْ أَقْوَالٍ رُبَّمَا كَانَتْ غَيْرَ مَفْهُومَةٍ ، وَمِنْ أَشْيَاءَ كَأَحْجَارٍ أَوْ أَجْزَاءَ مِنْ عَظْمِ الْحَيَوَانِ أَوْ شَعَرِهِ ، فَاخْتَلَطَ أَمْرُهَا فِي الْأُمَمِ الْجَاهِلَةِ ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْإِسْلَامِ
nindex.php?page=treesubj&link=18630الِاسْتِشْفَاءُ بِالْقُرْآنِ وَالدَّعَوَاتِ الْمَأْثُورَةِ الْمُتَقَبَلَّةِ مِنْ أَرْبَابِهَا وَذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الدُّعَاءِ .
وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي ( ظَنَّ ) عَائِدٌ إِلَى الْإِنْسَانِ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=5بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ ) أَيِ الْإِنْسَانُ الْفَاجِرُ .
وَالظَّنُّ : الْعِلْمُ الْمُقَارِبُ لِلْيَقِينِ ، وَضَمِيرُ ( أَنَّهُ ) ضَمِيرُ شَأْنٍ ، أَيْ وَأَيْقَنَ أَنَّهُ ، أَيِ الْأَمْرُ الْعَظِيمُ الْفِرَاقُ ، أَيْ فِرَاقُ الْحَيَاةِ .
وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=29وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ) إِنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ ، فَالْمَعْنَى الْتِفَافُ سَاقَيِ الْمُحْتَضِرِ بَعْدَ مَوْتِهِ إِذْ تُلَفُّ الْأَكْفَانُ عَلَى سَاقَيْهِ وَيُقْرَنُ بَيْنَهُمَا فِي ثَوْبِ الْكَفَنِ فَكُلُّ سَاقٍ مِنْهُمَا مُلْتَفَّةٌ صُحْبَةَ السَّاقِ الْأُخْرَى ، فَالتَّعْرِيفُ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ ، وَهَذَا نِهَايَةُ وَصْفِ الْحَالَةِ الَّتِي تَهَيَّأَ بِهَا لِمَصِيرِهِ إِلَى الْقَبْرِ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَرَاحِلِ الْآخِرَةِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَمْثِيلًا فَإِنَّ الْعَرَبَ يَسْتَعْمِلُونَ السَّاقَ مَثَلًا فِي الشِّدَّةِ وَجِدِّ الْأَمْرِ تَمْثِيلًا بِسَاقِ السَّاعِي أَوِ النَّاهِضِ لِعَمَلٍ عَظِيمٍ ، يَقُولُونَ : قَامَتِ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ .
وَأَنْشَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلَ الرَّاجِزِ :
صَبْرًا عَنَـاقُ إِنَّـهُ لَـشِـرْبَـاقْ قَدْ سَنَّ لِي قَوْمُكَ ضَرْبَ الْأَعْنَاقِ
وَقَامَتِ الْحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقْ
[ ص: 360 ] وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=42يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) فِي سُورَةِ الْقَلَمِ .
فَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=29وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ) طَرَأَتْ مُصِيبَةٌ عَلَى مُصِيبَةٍ .
وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ ( إِلَى رَبِّكَ ) الْتِفَاتٌ عَنْ طَرِيقِ خِطَابِ الْجَمَاعَةِ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=20بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ) لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ خِطَابًا لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ حَسُنَ التَّفَنُّنُ فِيهِ .
وَالتَّعْرِيفُ فِي ( الْمَسَاقُ ) تَعْرِيفُ الْجِنْسِ الَّذِي يَعُمُّ النَّاسَ كُلَّهُمْ بِمَا فِيهِمِ الْإِنْسَانُ الْكَافِرُ الْمَرْدُودُ عَلَيْهِ . وَلَكَ أَنْ تُعَبِّرَ عَنِ اللَّامِ بِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ ، أَيْ مَسَاقُ الْإِنْسَانِ الَّذِي يَسْأَلُ : أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ .
وَالْمَسَاقُ : مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ لِـ ( سَاقَ ) ، وَهُوَ تَسْيِيرُ مَاشٍ أَمَامَ مُسَيِّرِهِ إِلَى حَيْثُ يُرِيدُ مُسَيِّرُهُ ، وَضِدُّهُ الْقَوْدُ ، وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الْإِحْضَارِ وَالْإِيصَالِ إِلَى حَيْثُ يَلْقَى جَزَاءَ رَبِّهِ .
وَسُلِكُ فِي الْجُمَلِ الَّتِي بَعْدَ ( إِذَا ) مَسْلَكُ الْإِطْنَابِ
nindex.php?page=treesubj&link=32883لِتَهْوِيلِ حَالَةِ الِاحْتِضَارِ عَلَى الْكَافِرِ وَفِي ذَلِكَ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْكَافِرَ يَتَرَاءَى لَهُ مَصِيرُهُ فِي حَالَةِ احْتِضَارِهِ ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=63عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002768قَالَ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ : إِنَّا نَكْرَهُ الْمَوْتَ . قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهُ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ فَكَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ .