قرأ نافع وحده وأبو بكر عن عاصم بكسر الهمزة . وقرأه بقية العشرة في رواياتهم المشهورة بالفتح .
ومآل القراءتين سواء في كون هذا خارجا عما صدر عن الجن وفي كونه مما أوحى الله به .
فكسر الهمزة على عطف الجملة على جملة أوحي إلي ، والتقدير : وقل إنه لما قام عبد الله يدعوه ، ؛ لأن همزة ( إن ) إذا وقعت في محكي بالقول تكسر ، ولا يليق أن يجعل من حكاية مقالة الجن ؛ لأن ذلك قد انقضى وتباعد ونقل الكلام إلى أغراض أخرى ابتداء من قوله وأن المساجد لله .
وأما الفتح فعلى اعتباره معطوفا على جملة أنه استمع نفر ، أي : وأوحي إلي أنه لما قام عبد الله ، أي : أوحى الله إلي اقتراب المشركين من أن يكونوا لبدا على عبد الله لما قام يدعو ربه .
[ ص: 242 ] وضمير ( إنه ) ضمير الشأن وجملة لما قام عبد الله إلى آخرها خبره .
وضمير كادوا يكونون عائدان إلى المشركين المنبئ عنهم المقام غيبة وخطابا ابتداء من قوله وأن لو استقاموا على الطريقة إلى قوله فلا تدعوا مع الله أحدا .
و ( عبد الله ) هو محمد - صلى الله عليه وسلم - وضع الاسم الظاهر موضع المضمر إذ مقتضى الظاهر أن يقال : وأنه لما قمت تدعو الله كادوا يكونون عليك ، أو لما قمت أدعو الله كادوا يكونون علي . ولكن عدل إلى الاسم الظاهر لقصد لما في هذه الإضافة من التشريف مع وصف ( عبد ) كما تقدم غير مرة منها عند قوله تكريم النبيء - صلى الله عليه وسلم - بوصف ( عبد الله ) سبحان الذي أسرى بعبده .
و ( لبدا ) ، بكسر اللام وفتح الموحدة اسم جمع : لبدة ، وهي ما تلبد بعضه على بعض ، ومنه لبدة الأسد للشعر المتراكم في رقبته .
والكلام على التشبيه ، أي : كاد المشركون يكونون مثل اللبد متراصين مقتربين منه يستمعون قراءته ودعوته إلى توحيد الله . وهو التفاف غيظ وغضب وهم بالأذى كما يقال : تألبوا عليه .
ومعنى قام : اجتهد في الدعوة إلى الله ، كقوله تعالى إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض في سورة الكهف ، وقال النابغة :
بأن حصنا وحيا من بني أسد قاموا فقالوا حمانا غير مقروب
وقد تقدم عن قوله تعالى ويقيمون الصلاة في أول سورة البقرة .ومعنى قيام النبيء - صلى الله عليه وسلم - إعلانه بالدعوة وظهور دعوته ، قال جزء بن كليب الفقعسي :
فلا تبغينها يا ابن كوز فإنه غذا الناس مذ قام النبيء الجواريا
[ ص: 243 ] وجملة قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا بيان لجملة ( يدعوه ) .
وقرأ الجمهور ( قال ) بصيغة المضي . وقرأه حمزة وعاصم وأبو جعفر ( قل ) بدون ألف على صيغة الأمر ، فتكون الجملة استئنافا . والتقدير : أوحي إلي أنه لما قام عبد الله إلى آخره قل إنما أدعو ربي ، فهو من تمام ما أوحي به إليه .
و إنما أدعو ربي يفيد قصرا ، أي : لا أدعو غيره ، أي : لا أعبد غيره دونه .
وعطف عليه ولا أشرك به أحدا تأكيدا لمفهوم القصر ، وأصله أن لا يعطف ، فعطفه لمجرد التشريك للعناية باستقلاله بالإبلاغ .