فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا الظاهر أن هذا خارج عن الكلام المحكي عن الجن ، وأنه كلام من جانب الله تعالى لموعظة المشركين من الناس فهو في معنى التذييل . وإنما قرن بالفاء لتفريعه على القصة لاستخلاص العبرة منها ، فالتفريع تفريع كلام على كلام ، وليس تفريع معنى الكلام على معنى الكلام الذي قبله .
والتحري : طلب الحرا ، بفتحتين مقصورا واويا ، وهو الشيء الذي ينبغي أن يفعل ، يقال : بالحري أن تفعل كذا ، وأحرى أن تفعل .
والرشد : الهدى والصواب ، وتنوينه للتعظيم .
والمعنى : أن من آمن بالله فقد توخى سبب النجاة وما يحصل به الثواب ؛ لأن الرشد سبب ذلك .
والقاسط : اسم فاعل ( قسط ) من باب ضرب ، قسطا ، بفتح القاف وقسوطا بضمها ، أي : جار فهو كالظلم يراد به ظلم المرء نفسه بالإشراك . وفي الكشاف : [ ص: 237 ] أن الحجاج قال حين أراد قتله : ما تقول في ؟ قال : قاسط عادل ، فقال القوم : ما أحسن ما قال - حسبوا أنه وصفه بالقسط بكسر القاف والعدل - فقال لسعيد بن جبير الحجاج : يا جهلة : إنه سماني ظالما مشركا ، وتلا لهم قوله تعالى وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا وقوله تعالى ثم الذين كفروا بربهم يعدلون اهـ .
وشبه حلول الكافرين في جهنم بحلول الحطب في النار على طريقة التمليح والتحقير ، أي : هم لجهلهم كالحطب الذي لا يعقل ، كقوله تعالى فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة .
وإقحام فعل ( كانوا ) لتحقيق مصيرهم إلى النار حتى كأنهم كانوا كذلك من زمن مضى .