وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه هذا قسيم من أوتي كتابه بيمينه فالقول في إيتائه كتابه بشماله قد عرف وجهه مما تقدم .
وتمني كل من أوتي كتابه بشماله أنه لم يؤت كتابه ، لأنه علم من الاطلاع على كتابه أنه صائر إلى العذاب فيتمنى أن لا يكون علم بذلك إبقاء على نفسه من حزنها زمنا فإن ترقب السوء عذاب .
وجملة ولم أدر ما حسابيه في موضع الحال من ضمير ( ليتني ) .
والمعنى : أنه كان مكذبا بالحساب وهو مقابل قول الذي أوتي كتابه بيمينه : إني ظننت أني ملاق حسابيه .
وجملة الحال معترضة بين جملتي التمني .
ويجوز أن يكون عطفا على التمني ، أي يا ليتني لم أدر ما حسابيه ، أي لم أعرف كنه حسابي ، أي نتيجته ، وهذا وإن كان في معنى التمني الذي قبله فإعادته تكرير لأجل التحسر والتحزن .
و ( ما ) استفهامية ، والاستفهام بها هو الذي علق فعل ( أدر ) عن العمل ، و ياليتها كانت القاضية تمن آخر ولم يعطف على التمني الأول ؛ لأن المقصود التحسر والتندم .
[ ص: 136 ] وضمير ( ليتها ) عائد إلى معلوم من السياق ، أي ليت حالتي ، أو ليت مصيبتي كانت القاضية .
والقاضية : الموت وهو معنى قوله تعالى ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا . أي مقبورا في التراب .
وجملة ياليتها كانت القاضية من الكلام الصالح لأن يكون مثلا لإيجازه ووفرة دلالته ورشاقة معناه عبر بها عما يقوله من أوتي كتابه بشماله من التحسر بالعبارة التي يقولها المتحسر في الدنيا بكلام عربي يؤدي المعنى المقصود . ونظيره ما حكي عنهم في قوله تعالى دعوا هنالك ثبورا وقوله يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا وقوله يا ويلتنا مال هذا الكتاب الآية .
ثم أخذ يتحسر على ما فرط من الخير في الدنيا بالإقبال على ما لم يجده في العالم الأبدي فقال ما أغنى عني ماليه ، أي يقول ذلك من كان ذا مال وذا سلطان من ذلك الفريق من جميع أهل الإشراك والكفر ، فما ظنك بحسرة من اتبعوهم واقتدوا بهم إذا رأوهم كذلك . وفي هذا تعريض بسادة مشركي العرب مثل أبي جهل وأمية بن خلف قال تعالى وذرني والمكذبين أولي النعمة .
وفي أغنى عني الجناس الخطي ولو مع اختلاف قليل كما في قولهم " غرك عزك فصار قصارى ذلك ذلك " .
ومعنى هلاك السلطان : عدم الانتفاع به يومئذ فهو هلاك مجازي . وضمن ( هلك ) معنى ( غاب ) فعدي ب ( عن ) ، أي لم يحضرني سلطاني الذي عهدته .
والقول في هاءات " كتابيه ، وحسابيه ، وماليه ، وسلطانيه " كالقول فيما تقدم إلا أن حمزة وخلفا قرآ هنا ( ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه ) بدون هاء في حالة الوصل .