ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون .
استئناف مناسبته قوله : فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون وقوله : إن أولى الناس بإبراهيم إلخ . والمراد بأهل الكتاب هنا اليهود خاصة ، ولذلك عبر عنهم بـ طائفة من أهل الكتاب لئلا يتوهم أنهم أهل الكتاب الذين كانت معهم المحاجة في الآيات السابقة .
والمراد بالطائفة جماعة منهم من قريظة ، والنضير ، وقينقاع ، دعوا ، عمار بن ياسر ، ومعاذ بن جبل ، إلى الرجوع إلى الشرك . وحذيفة بن اليمان
وجملة لو يضلونكم مبينة لمضمون جملة " ودت " على طريقة الإجمال والتفصيل . فـ " لو " شرطية مستعملة في التمني مجازا لأن التمني من لوازم الشرط الامتناعي . وجواب الشرط محذوف يدل عليه فعل " ودت " تقديره : لو يضلونكم لحصل مودودهم ، والتحقيق أن التمني عارض من عوارض " لو " الامتناعية في بعض المقامات . وليس هو معنى أصليا من معاني " لو " . وقد تقدم نظير هذا في قوله تعالى : يود أحدهم لو يعمر ألف سنة في سورة البقرة .
[ ص: 279 ] وقوله لو يضلونكم أي ودوا إضلالكم وهو يحتمل أنهم ودوا أن يجعلوهم على غير هدى في نظر أهل الكتاب : أي يذبذبوهم ، ويحتمل أن المراد الإضلال في نفس الأمر ، وإن كان ود أهل الكتاب أن يهودوهم . وعلى الوجهين يحتمل قوله تعالى وما يضلون إلا أنفسهم أن يكون معناه : إنهم إذا أضلوا الناس فقد صاروا هم أيضا ضالين ; لأن الإضلال ضلال ، وأن يكون معناه : إنهم كانوا من قبل ضالين برضاهم بالبقاء على دين منسوخ . وقوله وما يشعرون يناسب الاحتمالين لأن العلم بالحالتين دقيق .