لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير .
تخلص من تبيين في الحياة الدنيا ، إلى بيان سوء [ ص: 141 ] عاقبة تلك الموالاة في الآخرة ، ومناسبة حسن التخلص قوله سوء عاقبة موالاة أعداء الدين وودوا لو تكفرون الدال على معنى : أن ودادتهم كفركم من قبل أن يثقفوكم تنقلب إلى أن يكرهوكم على الكفر حين يثقفوكم ، فلا تنفعكم ذوو أرحامكم مثل الأمهات والإخوة الأشقاء وللأم ، ولا أولادكم ، ولا تدفع عنكم عذاب الآخرة إن كانوا قد نفعوكم في الدنيا بصلة ذوي الأرحام ونصرة الأولاد .
فجملة لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم إلى آخرها مستأنفة استئنافا بيانيا ناشئا عن سؤال مفروض ممن يسمع جملة وودوا لو تكفرون ، أي من حق ذلك أن يسأل عن آثاره لخطر أمرها .
وإذا كان ناشئا عن كلام جرى مجرى التعليل لجملة فقد ضل سواء السبيل ، فهو أيضا مفيد تعليلا ثانيا بحسب المعنى ، ولولا إرادة الاستئناف البياني لجاءت هذه الجملة معطوفة بالواو على التي قبلها ، وزاد ذلك حسنا أن ما صدر من مما عد عليه هو موالاة للعدو ، وأنه اعتذر بأنه أراد أن يتخذ عند المشركين يدا يحمون بها قرابته ( أي أمه وإخوته ) . ولذلك ابتدئ في نفي النفع بذكر الأرحام لموافقة قصة حاطب بن أبي بلتعة حاطب لأن الأم ذات رحم والإخوة أبناؤها هم إخوته من رحمه .
وأما عطف ولا أولادكم فتتميم لشمول النهي قوما لهم أبناء في مكة .
والمراد بالأرحام : ذوو الأرحام على حذف مضاف لظهور القرينة .
و ( يوم القيامة ) ظرف يتنازعه كل من فعل ( لن تنفعكم ) ، وفعل ( يفصل بينكم ) . إذ لا يلزم تقدم العاملين على المعمول المتنازع فيه إذا كان ظرفا لأن الظروف تتقدم على عواملها وأن أبيت هذا التنازع فقل هو ظرف ( تنفعكم ) واجعل ل يفصل بينكم ظرفا محذوفا دل عليه المذكور .
والفصل هنا : التفريق ، وليس المراد به القضاء . والمعنى : يوم القيامة يفرق بينكم وبين ذوي أرحامكم وأولادكم فريق في الجنة وفريق في السعير ، قال تعالى يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه .
[ ص: 142 ] والمعنى : أنهم لا ينفعونكم يوم القيامة فما لكم ترفضون حق الله مراعاة لهم وهم يفرون منكم يوم اشتداد الهول ، خطأ رأيهم في موالاة الكفار أولا بما يرجع إلى حال من والوه . ثم خطأه ثانيا بما يرجع إلى حال من استعملوا الموالاة لأجلهم ، وهو تقسيم حاصر إشارة إلى أن ما أقدم عليه حاطب من أي جهة نظر إليه يكون خطأ وباطلا .
وقرأ الجمهور ( يفصل بينكم ) ببناء ( يفصل ) للمجهول مخففا . وقرأه عاصم ويعقوب ( يفصل ) بالبناء للفاعل ، وفاعله ضمير عائد إلى الله لعلمه من المقام ، وقرأه حمزة والكسائي وخلف ( يفصل ) مشدد الصاد مكسورة مبنيا للفاعل مبالغة في الفصل ، والفاعل ضمير يعود إلى الله المعلوم من المقام .
وقرأه ابن عامر ( يفصل ) بضم التحتية وتشديد الصاد مفتوحة مبنيا للنائب من فصل المشدد .
وجملة والله بما تعملون بصير وعيد ووعد .