وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول .
خطاب للمنافقين الذين يظهرون الإيمان فعاملهم الله بما أظهروه وناداهم بوصف الذين آمنوا كما قال من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم [ ص: 33 ] ومنه ما حكاه الله عن المشركين وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون أي يا أيها الذي نزل عليه الذكر بزعمه ، ونبههم إلى تدارك حالهم بالإقلاع عن آثار النفاق على عادة القرآن من تعقيب التخويف بالترغيب . فالجملة استئناف ابتدائي .
ذلك أن كانوا يعملون بعمل أهل الإيمان إذا لقوا الذين آمنوا فإذا رجعوا إلى قومهم غلب عليهم الكفر فكانوا في بعض أحوالهم مقاربين الإيمان بسبب مخالطتهم للمؤمنين . ولذلك ضرب الله لهم مثلا بالنور في قوله تعالى المنافقين مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم ثم قوله كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا . وهذا هو المناسب لقوله تعالى فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ، ويكون قوله وتناجوا بالبر والتقوى تنبيها على ما يجب عليهم إن كانوا متناجين لا محالة .
ويجوز أن تكون خطابا للمؤمنين الخلص بأن وجه الله الخطاب إليهم تعليما لهم بما يحسن من التناجي وما يقبح منه بمناسبة ذم تناجي المنافقين ، فلذلك ابتدئ بالنهي عن مثل تناجي المنافقين وإن كان لا يصدر مثله من المؤمنين تعريضا بالمنافقين ، مثل قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم ، ويكون المقصود من الكلام هو قوله وتناجوا بالبر والتقوى تعليما للمؤمنين .
وقرأ الجمهور فلا تتناجوا بصيغة التفاعل . وقرأه رويس عن يعقوب وحده ( فلا تنتجوا ) بوزن تنتهوا .
والأمر من قوله وتناجوا بالبر مستعمل في الإباحة كما اقتضاه قوله تعالى إذا تناجيتم .
[ ص: 34 ] والإثم والعدوان ومعصية الرسول تقدمت . وأما البر فهو ضد الإثم والعدوان وهو يعم أفعال الخير المأمور بها في الدين .
والتقوى : الامتثال ، وتقدمت في قوله تعالى هدى للمتقين في سورة البقرة .
وفي قوله الذي إليه تحشرون تذكير بيوم الجزاء . فالمعنى : الذي إليه تحشرون فيجازيكم .