هذا نذير من النذر الأولى .
استئناف ابتدائي أو فذلكة لما تقدم على اختلاف الاعتبارين في مرجع اسم الإشارة فإن جعلت اسم الإشارة راجعا إلى القرآن فإنه لحضوره في الأذهان ينزل منزلة شيء محسوس حاضر بحيث يشار إليه ، فالكلام انتقال اقتضابي تنهية لما قبله وابتداء لما بعد اسم الإشارة على أسلوب قوله تعالى هذا بلاغ للناس .
والكلام موجه إلى المخاطبين بمعظم ما في هذه السورة فلذلك اقتصر على وصف الكلام بأنه نذير ، دون أن يقول : نذير وبشير ، كما قال في الآية الأخرى إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون .
والإنذار بعضه صريح مثل قوله ليجزي الذين أساءوا بما عملوا إلخ ، وبعضه تعريض كقوله وأنه أهلك عادا الأولى وقوله وأن إلى ربك المنتهى .
وإن جعلت اسم الإشارة عائدا إلى ما تقدم من أول السورة بتأويله بالمذكور ، أو إلى ما لم ينبأ به الذي تولى وأعطى قليلا ، ابتداء من قوله أم لم ينبأ بما في صحف موسى إلى هنا على كلام التأويلين المتقدمين ، فتكون الإشارة إلى الكلام المتقدم تنزيلا لحضوره في السمع منزلة حضوره في المشاهدة بحيث يشار إليه .
و النذير حقيقته المخبر عن حدوث حدث مضر بالمخبر بالفتح ، [ ص: 158 ] وجمعه : نذر ، هذا هو الأشهر فيه . ولذلك جعل وجمع من المفسرين الإشارة إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو بعيد . ابن جريج
ويطلق النذير على الإنذار وهو خبر المخبر على طريقة المجاز العقلي . قال أبو القاسم الزجاجي : يطلق النذير على الإنذار يريد أنه اسم مصدر ومنه قوله تعالى فستعلمون كيف نذير ، أي : إنذاري وجمعه نذر أيضا ، ومنه قوله تعالى كذبت ثمود بالنذر ، أي : بالمنذرين . وإطلاق نذير على ما هو كلام ، وهو القرآن أو بعض آياته مجاز عقلي ، أو استعارة على رأي جمهور أهل اللغة وهو حقيقة على رأي الزجاجي .
والمراد بالنذر الأولى : السالفة ، أي : أن معنى هذا الكلام من معاني الشرائع الأولى كقول النبيء ، أي : من كلام الأنبياء قبل الإسلام . إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت