ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى .
الأظهر أن هذا رد لتكذيب من المشركين فيما بلغهم من الخبر عن جبريل وهو الذي يؤذن به قوله بعد رؤية النبيء - صلى الله عليه وسلم - الملك أفتمارونه على ما يرى .
[ ص: 99 ] واللام في قوله الفؤاد عوض عن المضاف إليه ، أي : فؤاده وعليه فيكون تفريع الاستفهام في قوله أفتمارونه على ما يرى استفهاما إنكاريا ؛ لأنهم ماروه .
ويجوز أن يكون قوله ما كذب الفؤاد ما رأى تأكيدا لمضمون قوله فكان قاب قوسين فإنه يؤذن بأنه بمرأى من النبيء - صلى الله عليه وسلم - برفع احتمال المجاز في تشبيه القرب ، أي : هو قرب حسي وليس مجرد اتصال روحاني فيكون الاستفهام في قوله أفتمارونه على ما يرى مستعملا في الفرض والتقدير ، أي : أفستكذبونه فيما يرى بعينيه كما كذبتموه فيما بلغكم عن الله ، كما يقول قائل أتحسبني غافلا وقول عمر بن الخطاب للعباس وعلي في قضيتهما : أتحاولان مني قضاء غير ذلك ؟ ! .
وقرأ الجمهور ما كذب بتخفيف الذال ، وقرأه هشام عن ابن عامر وأبو جعفر بتشديد الذال ، والفاعل والمفعول على حالهما كما في قراءة الجمهور .
والفؤاد : العقل في كلام العرب قال تعالى وأصبح فؤاد أم موسى فارغا .
والكذب : أطلق على التخييل والتلبيس من الحواس كما يقال : كذبته عينه .
و ما موصولة ، والرابط محذوف وهو ضمير عائد إلى عبده في قوله فأوحى إلى عبده ، أي : ما رآه عبده ببصره .
وتفريع أفتمارونه على جملة ما كذب الفؤاد ما رأى .
وقرأ الجمهور أفتمارونه من المماراة وهي الملاحاة والمجادلة في الإبطال . وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وخلف ( أفتمرونه ) بفتح الفوقية وسكون الميم ، مضارع مراه إذا جحده ، أي : أتجحدونه أيضا فيما رأى ، ومعنى القراءتين متقارب .
[ ص: 100 ] وتعدية الفعل فيهما بحرف الاستعلاء لتضمنه معنى الغلبة ، أي : هبكم غالبتموه على عبادتكم الآلهة ، وعلى الإعراض عن سماع القرآن ونحو ذلك أتغلبونه على ما رأى ببصره .