[ ص: 75 ] أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون .
هذا مرتبط بقوله أم يقولون تقوله وقوله أم عندهم خزائن ربك إذ كل ذلك إبطال للأسباب التي تحملهم على زعم انتفاء النبوة عن محمد - صلى الله عليه وسلم - فبعد أن أبطل وسائل اكتساب العلم بما زعموه عاد إلى إبطال الدواعي التي تحملهم على الإعراض عن دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولأجل ذلك جاء هذا الكلام على أسلوب الكلام الذي اتصل هو به ، وهو أسلوب خطاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال هنا أم تسألهم أجرا وقال هنالك أم عندهم خزائن ربك .
والاستفهام المقدر بعد أم مستعمل في التهكم بهم بتنزيلهم منزلة من يتوجس خيفة من أن يسألهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أجرا على إرشادهم .
والتهكم استعارة مبنية على التشبيه ، والمقصود ما في التهكم من معنى أن ما نشأ عنه التهكم أمر لا ينبغي أن يخطر بالبال .
وجيء بالمضارع في قوله تسألهم لإفادة التجدد ، أي : تسألهم سؤالا متكررا ؛ لأن الدعوة متكررة ، وقد شبهت بسؤال سائل .
وتفريع فهم من مغرم مثقلون لما فيه من بيان الملازمة بين سؤال الأجر وبين تجهم من يسأل والتحرج منه .
وقد فرع قوله فهم من مغرم مثقلون على الفعل المستفهم عنه لا على الاستفهام ، أي : ما سألتهم أجرا فيثقل غرمه عليهم ؛ لأن الاستفهام في معنى النفي ، والإثقال يتفرع على سؤال الأجر المفروض ؛ لأن مجرد السؤال محرج للمسئول ؛ لأنه بين الإعطاء فهو ثقيل وبين الرد وهو صعب .
والمغرم بفتح الميم مصدر ميمي ، وهو الغرم . وهو ما يفرض على أحد من عوض يدفعه .
والمثقل : أصله المحمل بشيء ثقيل ، وهو هنا مستعار لمن يطالب بما يعسر [ ص: 76 ] عليه أداؤه ، شبه طلبه أداء ما يعسر عليه بحمل الشيء الثقيل على من لا يسهل عليه حمله .
و ( من ) للتعليل ، أي : مثقلون من أجل مغرم حمل عليهم .
والمعنى : أنك ما كلفتهم شيئا يعطونه إياك فيكون ذلك سببا لإعراضهم عنك تخلصا من أداء ما يطلب منهم ، أي انتفى عذر إعراضهم عن دعوتك .