وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم .
نظم هذه الآية مثل نظم قوله وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون انتقل إلى العبرة بأمة من الأمم العربية وهم عاد ، وهم أشهر العرب البائدة .
والريح العقيم هي : الخلية من المنافع التي ترجى لها الرياح من إثارة السحاب وسوقه ، ومن إلقاح الأشجار بنقل غبرة الذكر من ثمار إلى الإناث من أشجارها ، أي : الريح التي لا نفع فيها ، أي : هي ضارة . وهذا الوصف لما كان مشتقا مما هو من خصائص الإناث كان مستغنيا عن لحاق هاء التأنيث ؛ لأنها يؤتى بها للفرق بين الصنفين ، والعرب يكرهون العقم في مواشيهم ، أي : ريح كالناقة العقيم لا تثمر نسلا ولا درا ، فوصف الريح بالعقيم تشبيه بليغ في الشؤم ، قال تعالى " أو يأتيهم عذاب يوم عقيم " .
وجملة ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم صفة ثانية ، أوحال ، فهو ارتقاء في مضرة هذا الريح ، فإنه لا ينفع ، وأنه يضر أضرارا عظيمة .
وصيغ " تذر " : بصيغة المضارع لاستحضار الحالة العجيبة .
و " شيء " في معنى المفعول ل " تذر " فإن ( من ) لتأكيد النفي ، والنكرة المجرورة بمن هذه نص في نفي الجنس ولذلك كانت عامة ، إلا أن هذا العموم مخصص بدليل العقل ؛ لأن الريح إنما تبلي الأشياء التي تمر عليها إذا كان شأنها أن يتطرق إليها البلى ، فإن الريح لا تبلي الجبال ولا البحار ولا الأودية ، وهي تمر عليها وإنما تبلي الديار والأشجار والناس والبهائم ، ومثله قوله تعالى تدمر كل شيء بأمر ربها .
[ ص: 12 ] وجملة ( جعلته كالرميم ) في موضع الحال من ضمير الريح مستثناة من عموم أحوال ( شيء ) يبين المعرف ، أي : ما تذر من شيء أتت عليه في حال من أحوال تدميرها إلا في حال قد جعلته كالرميم .
والرميم : العظم الذي بلي . يقال : رم العظم ، إذا بلي ، أي : جعلته مفتتا .
والمعنى : وفي عاد آية للذين يخافون العذاب الأليم إذ أرسل الله عليهم الريح . والمراد : أن الآية كائنة في أسباب إرسال الريح عليهم وهي أسباب تكذيبهم هودا وإشراكهم بالله ، وقالوا : من أشد منا قوة ، فيحذر من مثل ما حل بهم أهل الإيمان . وأما الذين لا يخافون العذاب الأليم من أهل الشرك فهم مصرون على كفرهم كما أصرت عاد ؛ فيوشك أن يحل بهم من جنس ما حل بعاد .