وكف أيدي الناس عنكم امتنان عليهم بنعمة غفلوا عنها حين حزنوا لوقوع الحديبية وهي نعمة السلم ، أي كف أيدي المشركين عنهم فإنهم لو واجهوهم يوم صلح الحديبية بالقتال دون المراجعة في سبب قدومهم لرجع المسلمون بعد القتال متعبين . ولما تهيأ لهم فتح خيبر ، وأنهم لو اقتتلوا مع أهل مكة لدحض في ذلك مؤمنون ومؤمنات كانوا في مكة كما أشار إليه قوله - تعالى - ولولا رجال مؤمنون الآية .
فالمراد بـ " الناس " : أهل مكة جريا على مصطلح القرآن في إطلاق هذا اللفظ غالبا .
[ ص: 178 ] وقيل : المراد كف أيدي الإعراب المشركين من بني أسد وغطفان وكانوا أحلافا ليهود خيبر وجاءوا لنصرتهم لما حاصر المسلمون خيبر فألقى الله في قلوبهم الرعب فنكصوا .
وقيل : إن المشركين بعثوا أربعين رجلا ليصيبوا من المسلمين في الحديبية فأسرهم المسلمون ، وهو ما سيجيء في قوله وأيديكم عنهم .
وقيل : كف أيدي اليهود عنكم ، أي عن أهلكم وذراريكم إذ كانوا يستطيعون أن يهجموا على المدينة في مدة غيبة معظم أهلها في الحديبية ، وهذا القول لا يناسبه إطلاق لفظ الناس في غالب مصطلح القرآن ، والكف : منع الفاعل من فعل أراده أو شرع فيه ، وهو مشتق من اسم الكف التي هي اليد لأن أصل المنع أن يكون دفعا باليد ، ويقال : كف يده عن كذا ، إذا منعه من تناوله بيده .
وأطلق الكف هنا مجازا على الصرف ، أي قدر الله كف أيدي الناس عنكم بأن أوجد أسباب صرفهم عن أن يتناولوكم بضر سواء نووه أو لم ينووه ، وإطلاق الفعل على تقديره كثير في القرآن حين لا يكون للتعبير عن المعاني الإلهية فعل مناسب له في كلام العرب ، فإن اللغة بنيت على متعارف الناس مخاطباتهم وطرأت معظم المعاني الإلهية بمجيء القرآن فتغير عن الشأن الإلهي بأقرب الأفعال إلى معناه .