وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم عطف على جملة " قالوا هذا سحر " فهو في حيز جواب ( لما ) التوقيتية واقع موقع التعجيب أيضا ، أي بعد أن أخذوا يتعللون بالعلل لإنكار الحق إذ قالوا للقرآن : هذا سحر ، وإذ كان قولهم ذلك يقتضي أن الذي جاء بالقرآن ساحر انتقل إلى ذكر طعن آخر منهم في الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه لم يكن من عظماء أهل القريتين .
و ( لولا ) أصله حرف تحضيض ، استعمل هنا في معنى إبطال كونه رسولا على طريقة المجاز المرسل بعلاقة الملازمة لأن التحضيض على تحصيل ما هو مقطوع بانتفاء حصوله يستلزم الجزم بانتفائه .
والقريتان هما : مكة والطائف لأنهما أكبر قرى تهامة بلد القائلين وأما يثرب وتيماء ونحوهما فهي من بلد الحجاز .
[ ص: 200 ] فالتعريف في القريتين للعهد ، جعلوا عماد التأهل لسيادة الأقوام أمرين : عظمة المسود ، وعظمة قريته ، فهم لا يدينون إلا من هو من أشهر القبائل في أشهر القرى لأن القرى هي مأوى شئون القبائل وتموينهم وتجارتهم ، والعظيم : مستعار لصاحب السؤود في قومه ، فكأنه عظيم الذات .
روي عن أنهم عنوا بعظيم ابن عباس مكة الوليد بن المغيرة المخزومي ، وبعظيم الطائف حبيب بن عمرو الثقفي . وعن مجاهد أنهم عنوا بعظيم مكة عتبة بن ربيعة وبعظيم الطائف كنانة بن عبد ياليل . وعن قتادة عنوا الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي .
ثم يحتمل أنهم قالوا هذا اللفظ المحكي عنهم في القرآن ولم يسمعوا شخصين معينين ، ويحتمل أنهم سموا شخصين ووصفوهما بهذين الوصفين ، فاقتصر القرآن على ذكر الوصفين إيجازا مع التنبيه على ما كانوا يؤهلون به الاختيار للرسالة تحميقا لرأيهم .
وكان الرجلان اللذان عنوهما ذوي مال لأن سعة المال كانت من مقومات وصف السؤدد كما حكي عن بني إسرائيل قولهم ولم يؤت سعة من المال .