ألا إن الظالمين في عذاب مقيم وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة
يترجح أن الواو للحال لا للعطف ، والجملة حال من ضمير الغيبة في تراهم ، أي تراهم في حال الفظاعة الملتبسين بها ، وتراهم في حال سماع الكلام الذام لهم الصادر من المؤمنين إليهم في ذلك المشهد . وحذفت قد مع الفعل الماضي لظهور قرينة الحال .
وهذا قول المؤمنين يوم القيامة إذ كانوا يومئذ مطمئنين من الأهوال شاكرين ما سبق من إيمانهم في الدنيا عارفين بربح تجارتهم ومقابلين بالضد حالة الذين كانوا يسخرون بهم في الدنيا إذ كانوا سببا في خسارتهم يوم القيامة .
والظاهر : أن المؤمنين يقولون هذا بمسمع من الظالمين فيزيد الظالمين تلهيبا لندامتهم ومهانتهم وخزيهم .
فهذا الخبر مستعمل في إظهار المسرة والبهجة بالسلامة مما لحق الظالمين ، أي قالوه تحدثا بالنعمة واغتباطا بالسلامة يقوله كل أحد منهم أو يقوله بعضهم لبعض .
وإنما جيء بحرف ( إن ) مع أن القائل لا يشك في ذلك والسامع لا يشك فيه للاهتمام بهذا الكلام إذ قد تبينت سعادتهم في الآخرة وتوفيقهم في الدنيا بمشاهدة ضد ذلك في معانديهم .
والتعريف في الخاسرين تعريف الجنس ، أي لا غيرهم . والمعنى : أنهم [ ص: 129 ] الأكملون في الخسران وتسمى أل هذه دالة على معنى الكمال وهو مستفاد من تعريف الجزءين المفيد للقصر الادعائي حيث نزل خسران غيرهم منزلة عدم الخسران . فالمعنى : لا خسران يشبه خسرانهم ، فليس في قوله : إن الخاسرين إظهار في مقام الإضمار كما توهم ، وقد تقدم نظيره في قوله : قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة في سورة الزمر .
والخسران : تلف مال التاجر ، واستعير هنا لانتفاء الانتفاع بما كان صاحبه يعده للنفع ، فإنهم كانوا يأملون نعيم أنفسهم والأنس بأهليهم حيثما اجتمعوا ، فكشف لهم في هذا الجمع عن انتفاء الأمرين ، أو لأنهم كانوا يحسبون أن لا يحيوا بعد الموت فحسبوا أنهم لا يلقون بعده ألما ولا توحشهم فرقة أهليهم فكشف لهم ما خيب ظنهم فكانوا كالتاجر الذي أمل الربح فأصابه الخسران .
وقوله : يوم القيامة يتعلق بفعل خسروا لا بفعل قل .
وجملة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم تذييل للجمل التي قبلها من قوله : وترى الظالمين لما رأوا العذاب الآيات . لأن حالة كونهم في عذاب مقيم أعم من حالة تلهفهم على أن يردوا إلى الدنيا ، وذلهم وسماعهم الذم .
وإعادة لفظ الظالمين إظهار في مقام الإضمار اقتضاه أن شأن التذييل أن يكون مستقل الدلالة على معناه لأنه كالمثل . وليست هذه الجملة من قول المؤمنين إذ لا قبل للمؤمنين بأن يحكموا هذا الحكم ، على أن أسلوب افتتاحه يقتضي أنه كلام من بيده الحكم يوم القيامة وهو ملك يوم الدين ، فهو كلام من جانب الله ، أي وهم مع الندم وذلك الذل والخزي بسماع ما يكرهون في عذاب مستمر .
وافتتحت الجملة بحرف التنبيه لكثرة ذلك في التذييلات لأهميتها .
والمقيم : الذي لا يرتحل . ووصف به العذاب على وجه الاستعارة ، شبه المستمر الدائم بالذي اتخذ دار إقامة لا يبرحها .