[ ص: 89 ] nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7nindex.php?page=treesubj&link=29011_29657الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم .
استئناف ابتدائي اقتضاه الانتقال من ذكر الوعيد المؤذن بذم الذين كفروا إلى الثناء على المؤمنين ، فإن الكلام الجاري على ألسنة الملائكة مثل الكلام الجاري على ألسنة الرسل إذ الجميع من وحي الله ، والمناسبة المضادة بين الحالين والمقالين .
ويجوز أن يكون استئنافا بيانيا ناشئا عن
nindex.php?page=treesubj&link=28903وعيد المجادلين في آيات الله أن يسأل سائل عن حال الذين لا يجادلون في آيات الله فآمنوا بها .
وخص في هذه الآية طائفة من الملائكة موصوفة بأوصاف تقتضي رفعة شأنهم تذرعا من ذلك إلى التنويه بشأن المؤمنين الذين تستغفر لهم هذه الطائفة الشريفة من الملائكة ، وإلا فإن الله قد أسند مثل هذا الاستغفار لعموم الملائكة في قوله في سورة الشورى
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=5والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض أي من المؤمنين بقرينة قوله فيها بعده
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=6والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7الذين يحملون العرش هم
nindex.php?page=treesubj&link=29747الموكلون برفع العرش المحيط بالسماوات وهو أعظم السماوات ولذلك أضيف إلى الله في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=17ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية .
و ( من حوله )
nindex.php?page=treesubj&link=29653_29747طائفة من الملائكة تحف بالعرش تحقيقا لعظمته قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=75وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم ، ولا حاجة إلى الخوض في عددهم
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=31وما يعلم جنود ربك إلا هو .
والإخبار عن صنفي الملائكة بأنهم يسبحون ويؤمنون به توطئة وتمهيد للإخبار عنهم بأنهم يستغفرون للذين آمنوا فذلك هو المقصود من الخبر ، فقدم له ما فيه
[ ص: 90 ] تحقيق استجابة استغفارهم لصدوره ممن دأبهم التسبيح وصفتهم الإيمان .
وصيغة المضارع في " يسبحون ، ويؤمنون ، ويستغفرون " مفيدة لتجدد ذلك وتكرره ، وذلك مشعر بأن المراد أنهم يفعلون ذلك في الدنيا كما هو الملائم لقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7فاغفر للذين تابوا وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=8وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ) وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=9ومن تق السيئات إلخ ، وقد قال في الآية الأخرى
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=5ويستغفرون لمن في الأرض أي من المؤمنين كما تقدم .
ومعنى
nindex.php?page=treesubj&link=28650تجدد الإيمان المستفاد من ( ويؤمنون ) تجدد ملاحظته في نفوس الملائكة وإلا فإن الإيمان عقد ثابت في النفوس وإنما تجدده بتجدد دلائله وآثاره .
وفائدة الإخبار عنهم بأنهم يؤمنون مع كونه معلوما في جانب الملائكة التنويه بشأن الإيمان بأنه حال الملائكة ، والتعريض بالمشركين أن لم يكونوا مثل أشرف أجناس المخلوقات ، مثل قوله تعالى في حق إبراهيم
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=135وما كان من المشركين ، وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما مبينة ل ( يستغفرون ) ، وفيها قول محذوف دلت عليه طريقة التكلم في قولهم ( ربنا ) . والباء في ( بحمد ربهم ) للملابسة ، أي
nindex.php?page=treesubj&link=29747يسبحون الله تسبيحا مصاحبا للحمد ، فحذف مفعول ( يسبحون ) لدلالة المتعلق به عليه .
والمراد ب ( الذين آمنوا ) المؤمنون المعهودون وهم المؤمنون
بمحمد - - صلى الله عليه وسلم لأنهم المقصود في هذا المقام وإن كان صالحا لكل المؤمنين .
وافتتح
nindex.php?page=treesubj&link=33076_28736_29747دعاء الملائكة للمؤمنين بالنداء . لأنه أدخل في التضرع وأرجى للإجابة ، وتوجهوا إلى الله بالثناء بسعة رحمته وعلمه لأن سعة الرحمة مما يطمع باستجابة الغفران ، وسعة العلم تتعلق بثبوت إيمان الذين آمنوا .
ومعنى السعة في الصفتين كثرة تعلقاتهما ، وذكر سعة العلم كناية عن يقينهم بصدق إيمان المؤمنين فهو بمنزلة قول القائل ، أنت تعلم أنهم آمنوا بك - ووحدوك .
[ ص: 91 ] وجيء في
nindex.php?page=treesubj&link=28781_29693وصفه تعالى بالرحمة الواسعة والعلم الواسع بأسلوب التمييز المحول عن النسبة لما في تركيبه من المبالغة بإسناد السعة إلى الذات ظاهرا حتى كأن ذاته هي التي وسعت ، فذلك إجمال يستشرف به السامع إلى ما يرد بعده فيجيء بعده التمييز المبين لنسبة السعة أنها من جانب الرحمة وجانب العلم ، وهي فائدة تمييز النسبة في كلام العرب ، لأن للتفصيل بعد الإجمال تمكينا للصفة في النفس كما في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4واشتعل الرأس شيبا .
والمراد أن الرحمة والعلم وسعا كل موجود ، الآن ، أي في الدنيا وذلك هو سياق الدعاء كما تقدم آنفا ، فما من موجود في الدنيا إلا وقد نالته قسمة من رحمة الله سواء في ذلك المؤمن والكافر والإنسان والحيوان .
و ( كل شيء ) كل موجود ، وهو عام مخصوص بالعقل بالنسبة للرحمة ، أي كل شيء محتاج إلى الرحمة ، وتلك هي الموجودات التي لها إدراك تدرك به الملائم والمنافر والنافع والضار ، من الإنسان والحيوان ، إذ لا فائدة في تعلق الرحمة بالحجر والشجر ونحوهما .
وأما بالنسبة إلى العلم فالعموم على بابه قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=14ألا يعلم من خلق .
ولما كان سياق هذا الدعاء أنه واقع في الدنيا كما تقدم اندفع ما عسى أن يقال إن
nindex.php?page=treesubj&link=29693رحمة الله لا تسع المشركين يوم القيامة إذ هم في عذاب خالد فلا حاجة إلى تخصيص عموم كل شيء بالنسبة إلى سعة الرحمة بمخصصات الأدلة المنفصلة القاضية بعدم سعة رحمة الله للمشركين بعد الحساب .
وتفرع على هذه التوطئة بمناجاة الله تعالى ما هو المتوسل إليه منها وهو طلب المغفرة للذين تابوا لأنه إذا كان قد علم صدق توبة من تاب منهم وكانت رحمته وسعت كل شيء فقد استحقوا أن تشملهم رحمته لأنهم أحرياء بها .
ومفعول ( فاغفر ) محذوف للعلم ، أي اغفر لهم ما تابوا منه ، أي ذنوب الذين تابوا .
nindex.php?page=treesubj&link=19704والمراد بالتوبة : الإقلاع عن المعاصي ، وأعظمها الإشراك بالله .
[ ص: 92 ] واتباع سبيل الله هو العمل بما أمرهم واجتناب ما نهاهم عنه ، فالإرشاد يشبه الطريق الذي رسمه الله لهم ودلهم عليه فإذا عملوا به فكأنهم اتبعوا السبيل فمشوا فيه فوصلوا إلى المقصود .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7وقهم عذاب الجحيم عطف على ( فاغفر ) فهو من جملة التفريع فإن الغفران يقتضي هذه الوقاية لأن غفران الذنب هو عدم المؤاخذة به .
nindex.php?page=treesubj&link=30437_30532_30531وعذاب الجحيم جعله الله لجزاء المذنبين ، إلا أنهم عضدوا دلالة الالتزام بدلالة المطابقة إظهارا للحرص على المطلوب .
والجحيم : شدة الالتهاب ، وسميت جهنم دار الجزاء على الذنوب .
[ ص: 89 ] nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7nindex.php?page=treesubj&link=29011_29657الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ .
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ اقْتَضَاهُ الِانْتِقَالُ مِنْ ذِكْرِ الْوَعِيدِ الْمُؤْذِنِ بِذَمِّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى الثَّنَاءِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّ الْكَلَامَ الْجَارِيَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمَلَائِكَةِ مِثْلُ الْكَلَامِ الْجَارِي عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ إِذِ الْجَمِيعُ مِنْ وَحْيِ اللَّهِ ، وَالْمُنَاسَبَةُ الْمُضَادَّةُ بَيْنَ الْحَالَيْنِ وَالْمَقَالَيْنِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا نَاشِئًا عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28903وَعِيدِ الْمُجَادِلِينَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنْ يَسْأَلَ سَائِلٌ عَنْ حَالِ الَّذِينَ لَا يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ فَآمَنُوا بِهَا .
وَخَصَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ طَائِفَةً مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَوْصُوفَةً بِأَوْصَافٍ تَقْتَضِي رِفْعَةَ شَأْنِهِمْ تَذَرُّعًا مِنْ ذَلِكَ إِلَى التَّنْوِيهِ بِشَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ تَسْتَغْفِرُ لَهُمْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الشَّرِيفَةُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَإِلَّا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَسْنَدَ مِثْلَ هَذَا الِاسْتِغْفَارِ لِعُمُومِ الْمَلَائِكَةِ فِي قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الشُّورَى
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=5وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَيْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فِيهَا بَعْدَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=6وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ هُمُ
nindex.php?page=treesubj&link=29747الْمُوَكَّلُونَ بِرَفْعِ الْعَرْشِ الْمُحِيطِ بِالسَّمَاوَاتِ وَهُوَ أَعْظَمُ السَّمَاوَاتِ وَلِذَلِكَ أُضِيفَ إِلَى اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=17وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ .
وَ ( مَنْ حَوْلَهُ )
nindex.php?page=treesubj&link=29653_29747طَائِفَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ تَحُفُّ بِالْعَرْشِ تَحْقِيقًا لِعَظَمَتِهِ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=75وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى الْخَوْضِ فِي عَدَدِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=31وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ .
وَالْإِخْبَارُ عَنْ صِنْفَيِ الْمَلَائِكَةِ بِأَنَّهُمْ يُسَبِّحُونَ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ تَوْطِئَةٌ وَتَمْهِيدٌ لِلْإِخْبَارِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينِ آمَنُوا فَذَلِكَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْخَبَرِ ، فَقَدَّمَ لَهُ مَا فِيهِ
[ ص: 90 ] تَحْقِيقُ اسْتِجَابَةِ اسْتِغْفَارِهِمْ لِصُدُورِهِ مِمَّنْ دَأْبُهُمُ التَّسْبِيحُ وَصِفَتُهُمُ الْإِيمَانُ .
وَصِيغَةُ الْمُضَارِعِ فِي " يُسَبِّحُونَ ، وَيُؤْمِنُونَ ، وَيَسْتَغْفِرُونَ " مُفِيدَةٌ لِتَجَدُّدِ ذَلِكَ وَتَكَرُّرِهِ ، وَذَلِكَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا كَمَا هُوَ الْمُلَائِمُ لِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=8وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ ) وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=9وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ إِلَخْ ، وَقَدْ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=5وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَيْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=treesubj&link=28650تُجَدُّدِ الْإِيمَانِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ ( وَيُؤْمِنُونَ ) تَجَدُّدُ مُلَاحَظَتِهِ فِي نُفُوسِ الْمَلَائِكَةِ وَإِلَّا فَإِنَّ الْإِيمَانَ عَقْدٌ ثَابِتٌ فِي النُّفُوسِ وَإِنَّمَا تُجَدُّدُهُ بِتَجَدُّدِ دَلَائِلِهِ وَآثَارِهِ .
وَفَائِدَةُ الْإِخْبَارِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ مَعَ كَوْنِهِ مَعْلُومًا فِي جَانِبِ الْمَلَائِكَةِ التَّنْوِيهُ بِشَأْنِ الْإِيمَانِ بِأَنَّهُ حَالُ الْمَلَائِكَةِ ، وَالتَّعْرِيضُ بِالْمُشْرِكِينَ أَنْ لَمْ يَكُونُوا مِثْلَ أَشْرَفِ أَجْنَاسِ الْمَخْلُوقَاتِ ، مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي حَقِّ إِبْرَاهِيمَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=135وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا مُبَيِّنَةٌ لِ ( يَسْتَغْفِرُونَ ) ، وَفِيهَا قَوْلٌ مَحْذُوفٌ دَلَّتْ عَلَيْهِ طَرِيقَةُ التَّكَلُّمِ فِي قَوْلِهِمْ ( رَبَّنَا ) . وَالْبَاءُ فِي ( بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) لِلْمُلَابَسَةِ ، أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=29747يُسَبِّحُونَ اللَّهَ تَسْبِيحًا مُصَاحِبًا لِلْحَمْدِ ، فَحَذَفَ مَفْعُولَ ( يُسَبِّحُونَ ) لِدَلَالَةِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ عَلَيْهِ .
وَالْمُرَادُ بِ ( الَّذِينَ آمَنُوا ) الْمُؤْمِنُونَ الْمَعْهُودُونَ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ
بِمُحَمَّدٍ - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمُ الْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا لِكُلِّ الْمُؤْمِنِينَ .
وَافْتُتِحَ
nindex.php?page=treesubj&link=33076_28736_29747دُعَاءُ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالنِّدَاءِ . لِأَنَّهُ أَدْخَلُ فِي التَّضَرُّعِ وَأَرْجَى لِلْإِجَابَةِ ، وَتَوَجَّهُوا إِلَى اللَّهِ بِالثَّنَاءِ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ وَعِلْمِهِ لِأَنَّ سَعَةَ الرَّحْمَةِ مِمَّا يُطْمِعُ بِاسْتِجَابَةِ الْغُفْرَانِ ، وَسَعَةَ الْعِلْمِ تَتَعَلَّقُ بِثُبُوتِ إِيمَانِ الَّذِينَ آمَنُوا .
وَمَعْنَى السَّعَةِ فِي الصِّفَتَيْنِ كَثْرَةُ تَعَلُّقَاتِهِمَا ، وَذِكْرُ سَعَةِ الْعِلْمِ كِنَايَةٌ عَنْ يَقِينِهِمْ بِصِدْقِ إِيمَانِ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الْقَائِلِ ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِكَ - وَوَحَّدُوكَ .
[ ص: 91 ] وَجِيءَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28781_29693وَصْفِهِ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ الْوَاسِعَةِ وَالْعِلْمِ الْوَاسِعِ بِأُسْلُوبِ التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنِ النِّسْبَةِ لِمَا فِي تَرْكِيبِهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ بِإِسْنَادِ السَّعَةِ إِلَى الذَّاتِ ظَاهِرًا حَتَّى كَأَنَّ ذَاتَهُ هِيَ الَّتِي وَسِعَتْ ، فَذَلِكَ إِجْمَالٌ يَسْتَشْرِفُ بِهِ السَّامِعُ إِلَى مَا يَرِدُ بَعْدَهُ فَيَجِيءُ بَعْدَهُ التَّمْيِيزُ الْمُبَيِّنُ لِنِسْبَةِ السَّعَةِ أَنَّهَا مِنْ جَانِبِ الرَّحْمَةِ وَجَانِبِ الْعِلْمِ ، وَهِيَ فَائِدَةُ تَمْيِيزِ النِّسْبَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، لِأَنَّ لِلتَّفْصِيلِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ تَمْكِينًا لِلصِّفَةِ فِي النَّفْسِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا .
وَالْمُرَادُ أَنَّ الرَّحْمَةَ وَالْعِلْمَ وَسِعَا كُلَّ مَوْجُودٍ ، الْآنَ ، أَيْ فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ هُوَ سِيَاقُ الدُّعَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا ، فَمَا مِنْ مَوْجُودٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا وَقَدْ نَالَتْهُ قِسْمَةٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَالْإِنْسَانُ وَالْحَيَوَانُ .
وَ ( كُلَّ شَيْءٍ ) كُلَّ مَوْجُودٍ ، وَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِالْعَقْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّحْمَةِ ، أَيْ كُلُّ شَيْءٍ مُحْتَاجٌ إِلَى الرَّحْمَةِ ، وَتِلْكَ هِيَ الْمَوْجُودَاتُ الَّتِي لَهَا إِدْرَاكٌ تُدْرِكُ بِهِ الْمُلَائِمَ وَالْمُنَافِرَ وَالنَّافِعَ وَالضَّارَّ ، مِنَ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ ، إِذْ لَا فَائِدَةَ فِي تَعَلُّقِ الرَّحْمَةِ بِالْحَجَرِ وَالشَّجَرِ وَنَحْوِهِمَا .
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعِلْمِ فَالْعُمُومُ عَلَى بَابِهِ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=14أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ .
وَلَمَّا كَانَ سِيَاقُ هَذَا الدُّعَاءِ أَنَّهُ وَاقِعٌ فِي الدُّنْيَا كَمَا تَقَدَّمَ انْدَفَعَ مَا عَسَى أَنْ يُقَالَ إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29693رَحْمَةَ اللَّهِ لَا تَسَعُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذْ هُمْ فِي عَذَابٍ خَالِدٍ فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَخْصِيصِ عُمُومِ كُلِّ شَيْءٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَعَةِ الرَّحْمَةِ بِمُخَصَّصَاتِ الْأَدِلَّةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْقَاضِيَةِ بِعَدَمِ سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ لِلْمُشْرِكِينَ بَعْدَ الْحِسَابِ .
وَتَفَرَّعَ عَلَى هَذِهِ التَّوْطِئَةِ بِمُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ الْمُتَوَسَّلُ إِلَيْهِ مِنْهَا وَهُوَ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ لِلَّذِينِ تَابُوا لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ عَلِمَ صِدْقَ تَوْبَةِ مَنْ تَابَ مِنْهُمْ وَكَانَتْ رَحْمَتُهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدِ اسْتَحَقُّوا أَنْ تَشْمَلَهُمْ رَحْمَتُهُ لِأَنَّهُمْ أَحْرِيَاءُ بِهَا .
وَمَفْعُولُ ( فَاغْفِرْ ) مَحْذُوفٌ لِلْعِلْمِ ، أَيِ اغْفِرْ لَهُمْ مَا تَابُوا مِنْهُ ، أَيْ ذُنُوبَ الَّذِينَ تَابُوا .
nindex.php?page=treesubj&link=19704وَالْمُرَادُ بِالتَّوْبَةِ : الْإِقْلَاعُ عَنِ الْمَعَاصِي ، وَأَعْظَمُهَا الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ .
[ ص: 92 ] وَاتِّبَاعُ سَبِيلِ اللَّهِ هُوَ الْعَمَلُ بِمَا أَمَرَهُمْ وَاجْتِنَابُ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ ، فَالْإِرْشَادُ يُشْبِهُ الطَّرِيقَ الَّذِي رَسَمَهُ اللَّهُ لَهُمْ وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ فَإِذَا عَمِلُوا بِهِ فَكَأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا السَّبِيلَ فَمَشَوْا فِيهِ فَوَصَلُوا إِلَى الْمَقْصُودِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ عَطْفٌ عَلَى ( فَاغْفِرْ ) فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ التَّفْرِيعِ فَإِنَّ الْغُفْرَانَ يَقْتَضِي هَذِهِ الْوِقَايَةَ لِأَنَّ غُفْرَانَ الذَّنْبِ هُوَ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=30437_30532_30531وَعَذَابُ الْجَحِيمِ جَعَلَهُ اللَّهُ لِجَزَاءِ الْمُذْنِبِينَ ، إِلَّا أَنَّهُمْ عَضَّدُوا دَلَالَةَ الِالْتِزَامِ بِدَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ إِظْهَارًا لِلْحِرْصِ عَلَى الْمَطْلُوبِ .
وَالْجَحِيمُ : شِدَّةُ الِالْتِهَابِ ، وَسُمِّيَتْ جَهَنَّمُ دَارَ الْجَزَاءِ عَلَى الذُّنُوبِ .