[ ص: 43 ] من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له .
لما فتح لهم باب الرجاء أعقبه بالإرشاد إلى وسيلة المغفرة معطوفا بالواو وللدلالة على الجمع بين النهي عن القنوط من الرحمة وبين الإنابة جمعا يقتضي المبادرة ، وهي أيضا مقتضى صيغة الأمر .
والإنابة : التوبة ولما فيها وفي التوبة من معنى الرجوع عدي الفعلان بحرف ( إلى ) .
والمعنى : توبوا إلى الله مما كنتم فيه من الشرك بأن توحدوه .
وعطف عليه الأمر بالإسلام ، أي التصديق بالنبيء صلى الله عليه وسلم والقرآن واتباع شرائع الإسلام .
وفي قوله من قبل أن يأتيكم العذاب إيذان بوعيد قريب إن لم ينيبوا ويسلموا كما يلمح إليه فعل ( يأتيكم ) .
والتعريف في العذاب تعريف الجنس ، وهو يقتضي أنهم إن لم ينيبوا ويسلموا يأتهم العذاب .
والعذاب منه ما يحصل في الدنيا إن شاءه الله وهذا خاص بالمشركين ، وأما المسلمون فقد استعاذ لهم منه الرسول صلى الله عليه وسلم حين نزل قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم كما تقدم في سورة الأنعام ، ومن العذاب عذاب الآخرة وهو جزاء الكفر والكبائر .
وهذا الخطاب يأخذ كل فريق منه بنصيب ، فنصيب المشركين الإنابة إلى التوحيد واتباع دين الإسلام ، ونصيب المؤمنين منه التوبة إذا أسرفوا على أنفسهم والإكثار من الحسنات وأما الإسلام فحاصل لهم .
والنصر : الإعانة على الغلبة بحيث ينفلت المغلوب من غلبة قاهره كرها على القاهر ولا نصير لأحد على الله .
[ ص: 44 ] وأما الشفاعة لأهل الكبائر فليست من حقيقة النصر المنفي وهذه الفقرة أكثر حظ فيها هو حظ المشركين .