ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون بعد أن أجري على اسم الله تعالى من الأخبار والصفات القاضية بأنه المتصرف في الأكوان كلها : جواهرها وأعراضها ، ظاهرها وخفيها ، ابتداء من قوله خلق السماوات والأرض بالحق ما يرشد العاقل إلى أنه المنفرد بالتصرف المستحق العبادة المنفرد بالإلهية أعقب ذلك باسم الإشارة للتنبيه على أنه حقيق بما يرد بعده من أجل تلك التصرفات والصفات .
والجملة فذلكة ونتيجة أنتجتها الأدلة السابقة ولذلك فصلت .
واسم الإشارة لتمييز صاحب تلك الصفات عن غيره تمييزا يفضي إلى ما يرد بعد اسم الإشارة على نحو ما قرر في قوله تعالى أولئك على هدى من ربهم في سورة البقرة .
والمعنى : ذلكم الذي خلق وسخر وأنشأ الناس والأنعام وخلق الإنسان أطوارا هو الله ، فلا تشركوا معه غيره إذ لم تبق شبهة تعذر أهل الشرك بشركهم ، أي : ليس شأنه بمشابه حال غيره من آلهتكم قال تعالى أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم .
والإتيان باسمه العلم لإحضار المسمى في الأذهان باسم مختص زيادة في البيان لأن حال المخاطبين نزل منزلة حال من لم يعلم أن فاعل تلك الأفعال العظيمة هو الله تعالى .
واسم الجلالة خبر عن اسم الإشارة . وقوله " ربكم " صفة لاسم الجلالة .
[ ص: 336 ] ووصفه بالربوبية تذكير لهم بنعمة الإيجاد والإمداد وهو معنى الربوبية ، وتوطئة للتسجيل عليهم بكفران نعمته الآتي في قوله إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر .
وجملة له الملك خبر ثان عن اسم الإشارة .
والملك : أصله مصدر ملك ، وهو مثلث الميم إلا أن مضموم الميم خصه الاستعمال بملك البلاد ورعاية الناس ، وفيه جاء قوله تعالى تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وصاحبه : ملك ، بفتح الميم وكسر اللام ، وجمعه : ملوك .
وتقديم المجرور لإفادة الحصر الادعائي ، أي : الملك لله لا لغيره ، وأما ملك الملوك فهو لنقصه وتعرضه للزوال بمنزلة العدم ، كما تقدم في قوله تعالى الحمد لله ، وفي حديث القيامة : " " فالإلهية هي الملك الحق ، ولذلك كان ادعاؤهم شركاء للإله الحق خطأ ، فكان الحصر الادعائي لإبطال ادعاء المشركين . ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض
وجملة لا إله إلا هو بيان لجملة الحصر في قوله له الملك .
وفرع عليه استفهام إنكاري عن انصرافهم عن توحيد الله تعالى ، ولما كان الانصراف حالة استفهم عنها بكلمة " أنى " التي هي بمعنى كيف ؛ كقوله تعالى أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة .
والصرف : الإبعاد عن شيء ، والمصروف عنه هنا محذوف ، تقديره : عن توحيده ، بقرينة قوله لا إله إلا هو .
وجعلهم مصروفين عن التوحيد ولم يذكر لهم صارفا ، فجاء في ذلك بالفعل المبني للمجهول ولم يقل لهم : فأنى تنصرفون ، نعيا عليهم بأنهم كالمقودين إلى الكفر غير المستقلين بأمورهم يصرفهم الصارفون ، يعني أيمة الكفر أو الشياطين الموسوسين لهم . وذلك إلهاب لأنفسهم ليكفوا عن امتثال أيمتهم الذين يقولون لهم لا تسمعوا لهذا القرآن عسى أن ينظروا بأنفسهم في دلائل الوحدانية المذكورة لهم .
[ ص: 337 ] والمعنى : فكيف يصرفكم صارف عن توحيده بعدما علمتم من الدلائل الآنفة .
والمضارع هنا مراد منه زمن الاستقبال بقرينة تفريعه على ما قبله من الدلائل .