وأسلوب الكلام يقتضي متكلما صادرا منه ، وأسلوب المقاولة يقتضي أن المتكلم به هم الطاغون الذين لهم شر المآب لأنهم أساس هذه القضية ؛ فالتقدير : يقولون ، أي : الطاغون ، بعضهم لبعض : هذا فوج مقتحم معكم ، أي : يقولون مشيرين إلى فوج من أهل النار أقحم فيهم ليسوا من أكفائهم ولا من طبقتهم وهم فوج الأتباع من المشركين الذين اتبعوا الطاغين في الحياة الدنيا ، وذلك ما دل عليه قوله أنتم قدمتموه لنا أي : أنتم سبب إحضار هذا العذاب لنا . وهو الموافق لمعنى نظائره في القرآن ؛ كقوله تعالى كلما دخلت أمة لعنت أختها إلى قوله بما كنتم تكسبون في سورة الأعراف ، وقوله إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا في سورة البقرة ، وقوله وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون الآيات من سورة الصافات . وأوضح من ذلك كله قوله تعالى في آخر هذه الآية إن ذلك لحق تخاصم أهل النار .
فجملة القول المحذوف في موضع الحال من الطاغين .
وجملة هذا فوج إلى آخرها مقول القول المحذوف .
والفوج : الجماعة العظيمة من الناس ، وتقدم في قوله ويوم نحشر من كل أمة فوجا في سورة النمل .
والاقتحام : الدخول في الناس ، و " مع " مؤذنة بأن المتكلمين متبوعون ، وأن الفوج المقتحم أتباع لهم ، فأدخلوا فيهم مدخل التابع مع المتبوع بعلامات تشعر بذلك .
وجملة لا مرحبا بهم ؛ معترضة مستأنفة لإنشاء ذم الفوج .
ولا مرحبا ؛ نفي لكلمة يقولها المزور لزائره وهي إنشاء دعاء الوافد . ومرحبا : مصدر بوزن المفعل ، وهو الرحب بضم الراء وهو منصوب بفعل محذوف دل عليه معنى الرحب ، أي : أتيت رحبا ، أي : مكانا ذا رحب ، فإذا أرادوا كراهية الوافد والدعاء عليه قالوا : لا مرحبا به ، كأنهم أرادوا النفي بمجموع الكلمة :
[ ص: 289 ]
لا مرحبا بغد ولا أهلا به إن كان تفريق الأحبة في غد
وذلك كما يقولون في المدح : حبذا ، فإذا أرادوا ذما قالوا : لا حبذا . وقد جمعهما قول كنزة أم شملة المنقري تهجو فيه صاحبة : ذي الرمةألا حبذا أهل الملا غير أنه إذا ذكرت مي فلا حبذا هيا
وجملة إنهم صالوا النار خبر ثان عن اسم الإشارة ، والخبر مستعمل في التضجر منهم ، أي : أنهم مضايقوننا في مضيق النار كما أومأ إليه قولهم مقتحم معكم لا مرحبا بهم .