ونظير هذه الآية تقدم في سورة النحل إلى قوله فإذا جاء أجلهم إلا أن هذه الآية جاء فيها " بما كسبوا " وهنالك جاء فيها " بظلمهم " لأن " ما كسبوا " [ ص: 340 ] يعم الظلم وغيره . وأوثر في سورة النحل " بظلمهم " لأنها جاءت عقب تشنيع ظلم عظيم من ظلمهم وهو ظلم بناتهم الموءودات وإلا أن هنالك قال ما ترك عليها وهنا ما ترك على ظهرها وهو تفنن تبعه في قوله : المعري
وإن شئت فازعم أن من فوق ظهرها عبيدك واستشهد إلاهك يشهد
والضمير للأرض هنا وهناك في البيت لأنها معلومة من المقام . والظهر : حقيقته متن الدابة الذي يظهر منها ، وهو ما يعلو الصلب من الجسد وهو مقابل البطن فأطلق على ظهر الإنسان أيضا وإن كان غير ظاهر ؛ لأن الذي يظهر من الإنسان صدره وبطنه . وظهر الأرض مستعار لبسطها الذي يستقر عليه مخلوقات الأرض تشبيها للأرض بالدابة المركوبة على طريقة المكنية . ثم شاع ذلك فصار من الحقيقة .فأما قوله هنا فإن الله كان بعباده بصيرا ، وقد قال هنالك لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ، فما هنا إيماء إلى الحكمة في تأخيرهم إلى أجل مسمى . والتقدير : فإذا جاء أجلهم أخذهم بما كسبوا فإن الله كان بعباده بصيرا ، أي عليما في حالي التأخير ومجيء الأجل ، ولهذا فقوله فإن الله كان بعباده بصيرا دليل جواب إذا وليس هو جوابها ، ولذلك كان حقيقا بقرنه بفاء التسبب ، وأما ما في سورة النحل فهو الجواب وهو تهديد بأنه إذا جاء أجلهم وقع بهم العذاب دون إمهال .
وقوله فإن الله كان بعباده بصيرا هو أيضا جواب عن سؤال مقدر أن يقال : ماذا جنت الدواب حتى يستأصلها الله بسبب ما كسب الناس ، وكيف يهلك كل من على الأرض وفيهم المؤمنون والصالحون ، فأفيد أن الله أعلم بعدله . فأما الدواب فإنها مخلوقة لأجل الإنسان كما قال تعالى هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ، فإهلاكها قد يكون إنذارا للناس لعلهم يقلعون عن إجرامهم ، وأما حال المؤمنين في حين فالله أعلم بهم فلعل الله أن يجعل لهم طريقا إلى النجاة كما نجى إهلاك الكفار هودا ومن معه ، ولعله إن أهلكهم أن يعوض لهم حسن الدار كما قال النبيء - صلى الله عليه وسلم - . ثم يحشرون على نياتهم