وفيه تسجيل على المنافقين بأن خوضهم في ذلك بعد هذه الآية علامة على النفاق لأن المؤمنين لا يخالفون أمر ربهم .
والجملة استئناف ابتدائي متصل بما قبله للمناسبة التي أشرنا إليها .
[ ص: 48 ] والذكر : ذكر اللسان وهو المناسب لموقع الآية بما قبلها وبعدها .
والتسبيح يجوز أن يراد به الصلوات النوافل فليس عطف ( وسبحوه ) على ( اذكروا الله ) من عطف الخاص على العام .
ويجوز أن يكون المأمور به من التسبيح قول : سبحان الله ، فيكون عطف ( وسبحوه ) على ( اذكروا الله ) من عطف الخاص على العام اهتماما بالخاص لأن معنى التسبيح التنزيه عما لا يجوز على الله من النقائص ، فهو من أكمل الذكر لاشتماله على جوامع الثناء والتحميد ، ولأن في التسبيح إيماء إلى التبرؤ مما يقوله المنافقون في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون في معنى قوله تعالى ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم فإن كلمة : سبحان الله ، يكثر أن تقال في مقام التبرؤ من نسبة ما لا يليق إلى أحد كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - . سبحان الله ، المؤمن لا ينجس وقول هند بنت عتبة حين أخذ على النساء البيعة ( أن لا يزنين ) : سبحان الله أتزني الحرة .
والبكرة : أول النهار . والأصيل : العشي الوقت الذي بعد العصر . وانتصبا على الظرفية التي يتنازعها الفعلان ( اذكروا الله . . وسبحوه ) .
والمقصود من البكرة والأصيل إعمار أجزاء النهار بالذكر والتسبيح بقدر المكنة لأن ذكر طرفي الشيء يكون كناية على استيعابه كقول طرفة :
لكالطول المرخى وثنياه باليد
ومنه قولهم : المشرق والمغرب ، كناية عن الأرض كلها ، والرأس والعقب كناية الجسد كله ، والظهر والبطن كذلك .وقدم البكرة على الأصيل لأن البكرة أسبق من الأصيل لا محالة . وليس الأصيل جديرا بالتقديم في الذكر كما قدم لفظ ( تمسون ) في قوله في سورة الروم فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون لأن كلمة المساء تشمل أول الليل فقدم لفظ ( تمسون ) هنالك رعيا لاعتبار الليل أسبق في حساب أيام الشهر عند العرب وفي الإسلام ، وليست كذلك كلمة الأصيل .