ومعنى ( قضى ) : استوفى وأتم . واسم ( زيد ) إظهار في مقام الإضمار لأن مقتضى الظاهر أن يقال : فلما قضى منها وطرا ، أي قضى الذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه ، فعدل عن مقتضى الظاهر للتنويه بشأن زيد . قال القرطبي قال السهيلي : كان يقال له زيد بن محمد فلما نزع عنه هذا الشرف حين نزل ( ادعوهم لآبائهم ) وعلم الله وحشته من ذلك شرفه بخصيصة لم يكن يخص بها أحدا من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وهي أن سماه في القرآن ، ومن ذكره الله تعالى باسمه في الذكر الحكيم نوه غاية التنويه اهـ .
والوطر : الحاجة المهمة والنهمة ، قال النابغة :
فمن يكن قد قضى من خلة وطرا فإنني منك ما قضيت أوطاري
والمعنى : فلما استتم زيد مدة معاشرة زينب فطلقها ، أي فلما لم يبق له وطر منها .[ ص: 39 ] ومعنى زوجناكها إذنا لك بأن تتزوجها ، وكانت زينب أيما فتزوجها الرسول - عليه الصلاة والسلام - برضاها . وذكر أهل السير : أنها زوجها إياه أخوها أبو أحمد بن الضرير واسمه عبد بن جحش فلما أمره الله بتزوجها قال : ما أجد في نفسي أوثق منك فاخطب لزيد بن حارثة زينب علي ، قال زيد : فجئتها فوليتها ظهري توقيرا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقلت : يا زينب أرسل رسول الله يذكرك . فقالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي ، وقامت إلى مسجدها وصلت صلاة الاستخارة فرضيت ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل فبنى بها . وكانت زينب تفخر على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقول : زوجكن آباؤكن وزوجني ربي . وهذا يقتضي إن لم يتول أخوها أبو أحمد تزويجها ، فتكون هذه خصوصية للنبي - صلى الله عليه وسلم - عند الذين يشترطون كالمالكية دون قول الحنفية . ولم يذكر في الروايات أن النبي - عليه الصلاة والسلام - أصدقها فعده بعض أهل السير من خصوصياته - صلى الله عليه وسلم - فيكون في تزوجها خصوصيتان نبويتان . الولي في النكاح
وأشار إلى حكمة هذا التزويج في إقامة الشريعة وهي إبطال الحرج الذي كان يتحرجه أهل الجاهلية من أن يتزوج الرجل زوجة دعيه ، فلما أبطله الله بالقول إذ قال وما جعل أدعياءكم أبناءكم أكد إبطاله بالفعل حتى لا يبقى أدنى أثر من الحرج أن يقول قائل : إن ذاك وإن صار حلالا فينبغي التنزه عنه لأهل الكمال ، فاحتيط لانتفاء ذلك بإيقاع التزوج بامرأة الدعي من أفضل الناس وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - .
والجمع بين اللام وكي توكيد للتعليل كأنه يقول : ليست العلة غير ذلك ودلت الآية على أن الأصل في الأحكام التشريعية أن تكون سواء بين النبي - صلى الله عليه وسلم - والأمة حتى يدل دليل على الخصوصية .
وجملة وكان أمر الله مفعولا تذييل لجملة زوجناكها . وأمر الله يجوز أن يراد به من إباحة تزوج من كن حلائل الأدعياء ، فهو معنى الأمر التشريعي فيه . ومعنى ( مفعولا ) أنه متبع ممتثل فلا ينزه أحد عنه ، قال تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق .
ويجوز أن يراد الأمر التكويني وهو ما علم أنه يكون وقدر أسباب كونه ، [ ص: 40 ] فيكون معنى ( مفعولا ) واقعا . والأمر من إطلاق السبب على المسبب ، والمفعول هو المسبب .
وتزوج النبيء - صلى الله عليه وسلم - زينب من أمر الله بالمعنيين .