هذا غرض آخر من أغراض مخالطة المشركين مع المؤمنين ، وهو محاولة المشركين ارتداد المسلمين بمحاولات فتنة بالشك والمغالطة للذين لم يقدروا على فتنتهم بالأذى والعذاب ، إما لعزتهم وخشية بأسهم مثل عمر بن الخطاب ، فقد قيل إن هذه المقالة قيلت له ، وإما لكثرتهم حين كثر المسلمون وأعيت المشركين حيل الصد عن الإسلام .
والمراد بالذين كفروا طائفة منهم وهم أبو جهل ، والوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، - قبل أن يسلم - قالوا للمسلمين ومنهم وأبو سفيان بن حرب : لا نبعث نحن ولا أنتم ، فإن عسى كان ذلك فإنا نحمل عنكم آثامكم . وإنما قالوا ذلك جهلا وغرورا حاولوا بهما أن يحجوا المسلمين في إيمانهم بالبعث توهما منهم بأنهم إن كان البعث واقعا فسيكونون في الحياة الآخرة كما كانوا في الدنيا أهل ذمام وحمالة ونقض وإبرام شأن سادة العرب أنهم إذا شفعوا شفعوا ، وإن تحملوا حملوا . عمر بن الخطاب
وهذا كقول العاصي بن وائل : لئن بعثني الله ليكونن لي مال فأقضيك دينك ، وهو الذي نزل فيه قوله تعالى : لخباب بن الأرت أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا . وكل هذا من الجدال بالباطل ، وهو طريقة جدلية ، إن بنيت على الحق ، كما ينسب إلى في ضد هذا : علي بن أبي طالب
زعم المنجم والطبيب كلاهمـا لا تحشر الأجساد قلت إليكما إن صح قولكما فلست بخاسر
أو صح قولي فالخسار عليكما
وواو العطف لجملة ولنحمل على جملة اتبعوا سبيلنا مراد منها المعية بين مضمون الجملتين في الأمر ، وليس المراد منه الجمع في الحصول ، فالجملتان في قوة جملتي شرط وجزاء ، والتعويل على القرينة .
فكان هذا القول أدل على تأكيد الالتزام بالحالة إن اتبع المسلمون سبيل المشركين ، من أن يقال : إن تتبعوا سبيلنا نحمل خطاياكم ، بصيغة الشرط ، أو أن يقال : اتبعوا سبيلنا فنحمل خطاياكم ، بفاء السببية .
والحمل : مجاز تمثيلي لحال الملتزم بمشقة غيره بحال من يحمل متاع غيره ، فيئول إلى معنى الحمالة والضمان .
ودل قوله : خطاياكم على العموم ؛ لأنه جمع مضاف ، وهو من صيغ العموم .
وقوله : وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إبطال لقولهم : ولنحمل خطاياكم ، نقض العموم في الإثبات بعموم في النفي ؛ لأن شيء في سياق النفي يفيد العموم ؛ لأنه نكرة ، وزيادة حرف " من " تنصيص على العموم .
والحمل المنفي هو ما كان المقصود منه دفع التبعة عن الغير وتبرئته من جناياته ، فلا ينافيه إثبات حمل آخر عليهم هو حمل المؤاخذة على التضليل في قوله : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم .
والكذب المخبر به عنهم هو الكذب فيما اقتضاه أمرهم أنفسهم بأن يحملوا عن المسلمين خطاياهم حسب زعمهم ، والوفاء بذلك كما كانوا في الدنيا ، فهو كذب لا شك فيه ؛ لأنه مخالف للواقع ولاعتقادهم .
ولذلك فجملة إنهم لكاذبون بدل اشتمال من جملة وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء ؛ لأن جملة وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء تضمنت عرو قولهم : ولنحمل خطاياكم عن مطابقته للواقع في شيء ، وذلك [ ص: 221 ] يشتمل على أن مضمونها كذب صريح ، فكان مضمون جملة إنهم لكاذبون مما اشتمل عليه مضمون جملة وما هم بحاملين . وليس مضمون الثانية عين مضمون الأولى ، بل الثانية أوفى بالدلالة على أن كذبهم محقق وأنه صفة لهم في خبرهم هذا في غيره ، ووزان هذه الجملة وزان بيت علم المعاني :
أقول له ارحل لا تقيمن عندنا
إذ جعل الأيمة جملة " لا تقيمن عندنا " بدل اشتمال من جملة " ارحل " ؛ لأن جملة " لا تقيمن " أوفى بالدلالة على كراهيته وطلب ارتحاله ؛ ولهذا لم تعطف جملة إنهم لكاذبون لكمال الاتصال بينها وبين وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء .