كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو
هذا النهي موجه إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - في الظاهر ، والمقصود به إبطال الشرك وإظهار ضلال أهله ، إذ يزعمون أنهم معترفون بإلهية الله تعالى ، وأنهم إنما اتخذوا له شركاء وشفعاء ، فبين لهم أن الله لا إله غيره ، وأن انفراده بالإلهية في نفس الأمر يقضي [ ص: 197 ] ببطلان الإشراك في الاعتقاد ولو أضعف إشراك ، فجملة لا إله إلا هو في معنى العلة للنهي الذي في الجملة قبلها .
وجملة كل شيء هالك إلا وجهه علة ثانية للنهي ؛ لأن هلاك الأشياء التي منها الأصنام وكل ما عبد مع الله وأشرك به دليل على انتفاء الإلهية عنها ؛ لأن الإلهية تنافي الهلاك وهو العدم .
والوجه مستعمل في معنى الذات . والمعنى : كل موجود هالك إلا الله تعالى ، والهلاك : الزوال والانعدام .
وجملة له الحكم وإليه ترجعون تذييل ؛ فلذلك كانت مفصولة عما قبلها . وتقديم المجرور باللام لإفادة الحصر ، والمحصور فيه هو الحكم الأتم ، أي الذي لا يرده راد .
والرجوع مستعمل في معنى : آخر الكون ، على وجه الاستعارة ؛ لأن حقيقته الانصراف إلى مكان قد فارقه ، فاستعمل في مصير الخلق وهو ; شبه برجوع صاحب المنزل إلى منزله ، ووجه الشبه هو الاستقرار والخلود ، فهو مراد منه طول الإقامة . البعث بعد الموت
وتقديم المجرور بـ " إلى " للاهتمام بالخبر ؛ لأن المشركين نفوا الرجوع من أصله ولم يقولوا بالشركة في ذلك حتى يكون التقديم للتخصيص .
والمقصود من تعدد هذه الجمل إثبات أن الله منفرد بالإلهية في ذاته ، وهو مدلول جملة لا إله إلا هو . وذلك أيضا يدل على صفة القدم ؛ لأنه لما انتفى جنس الإلهية عن غيره تعالى تعين أنه لم يوجده غيره ، فثبت له القدم الأزلي وأن الله تعالى باق لا يعتريه العدم ؛ لاستحالة عدم القديم ، وذلك مدلول كل شيء هالك إلا وجهه ، وأنه تعالى منفرد في أفعاله بالتصرف المطلق الذي لا يرده غيره ، فيتضمن ذلك إثبات الإرادة والقدرة . وفي كل هذا رد على المشركين الذين جوزوا شركته في الإلهية ، وأشركوا معه آلهتهم في التصرف بالشفاعة والغوث .
ثم أبطل إنكارهم البعث بقوله : وإليه ترجعون .