( كلا ) حرف إبطال . وتقدم في قوله تعالى : ( كلا سنكتب ما يقول ) في سورة مريم . والإبطال لقوله : ( فأخاف أن يقتلون ) ، أي : لا يقتلونك . وفي هذا الإبطال استجابة لما تضمنه التعريض بالدعاء حين قال : ( ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون ) .
وقوله : ( فاذهبا بآياتنا ) تفريع على مفاد كلمة ( كلا ) . والأمر لموسى أن يذهب هو وهارون يقتضي أن موسى مأمور بإبلاغ هارون ذلك موسى رسولا إلى هارون بالنبوءة . ولذلك جاء في التوراة أن فكان موسى أبلغ أخاه هارون ذلك عندما تلقاه في حوريب إذ أوحى الله إلى هارون أن يتلقاه ، والباء للمصاحبة ، أي مصاحبين لآياتنا ، وهو وعد بالتأييد بمعجزات تظهر عند الحاجة . : العصا التي انقلبت حية عند المناجاة ، وكذلك بياض يده كما في آية سورة طه ( ومن الآيات وما تلك بيمينك يا موسى ) الآيات .
وجملة ( إنا معكم مستمعون ) مستأنفة استئنافا بيانيا ؛ لأن أمرهما بالذهاب إلى فرعون يثير في النفس أن يتعامى فرعون عن الآيات ولا يرعوي عند رؤيتها عن إلحاق أذى بهما فأجيب بأن فرعون به . وهذا كناية عن عدم إهمال تأييدهما وكف الله معهما ومستمع لكلامهما وما يجيب فرعون عن أذاهما . فضمير ( معكم ) عائد [ ص: 109 ] إلى موسى وهارون وقوم فرعون . والمعية معية علم كالتي في قوله تعالى : ( إلا هو معهم أين ما كانوا ) .
و ( مستمعون ) أشد مبالغة من ( سامعون ) ؛ لأن أصل الاستماع أنه تكلف السماع والتكلف كناية عن الاعتناء ، فأريد هنا علم خاص بما يجري بينهما وبين فرعون وملئه وهو العلم الذي توافقه العناية واللطف .
والجمع بين قوله ( بآياتنا ) وقوله : ( إنا معكم مستمعون ) تأكيد للطمأنة ورباطة لجأشهما .
والرسول : فعول بمعنى مفعل ، أي : مرسل . والأصل فيه مطابقة موصوفه ، بخلاف فعول بمعنى فاعل ، فحقه عدم المطابقة سماعا ، وفعول بمعنى اسم المفعول قليل في كلامهم ومنه : بقرة ذلول ، وقولهم : صبوح ، لما يشرب في الصباح ، وغبوق ، لما يشرب في العشي ، والنشوق ، لما ينشق من دواء ونحوه . ولكن رسول يجوز فيه أن يجرى مجرى المصدر فلا يطابق ما يجري عليه في تأنيث وما عدا الإفراد ، وورد في كلامهم بالوجهين تارة ملازما الإفراد والتذكير كما في هذه الآية ، وورد مطابقا كما في قوله تعالى : ( فقولا إنا رسولا ربك ) في سورة طه ، فذهب الجوهري إلى أنه مشترك بين كونه اسما بمعنى مفعول وبين كونه اسم مصدر ، ولم يجعله مصدرا ؛ إذ لا يعرف فعول مصدرا لغير الثلاثي ، واحتج بقول الأشعر الجعفي :
ألا أبلغ بني عمرو رسولا بأني عن فتاحتكم غنـي
( الفتاحة : الحكم ) . وتبعه في هذه الآية إذ قال : الزمخشري فجعل ثم ( أي في قوله : ( الرسول يكون بمعنى المرسل وبمعنى الرسالة إنا رسولا ربك ) في سورة طه ) بمعنى المرسل ، وجعل هنا بمعنى الرسالة . وقد قال أبو ذؤيب الهذلي :ألكني إليها وخير الرسو ل أعلمهم بنواحي الخبر
ومبادأة خطابهما فرعون بأن وصفا الله بصفة رب العالمين مجابهة لفرعون بأنه مربوب وليس برب ، . والنفي يقتضي وحدانية الله تعالى ؛ لأن العالمين شامل جميع الكائنات فيشمل معبودات القبط كالشمس وغيرها فهذه كلمة جامعة لما يجب اعتقاده يومئذ . وإثبات ربوبية الله تعالى للعالمين
وجملة ( أن أرسل معنا بني إسرائيل ) تفسيرية لما تضمنه ( رسول ) من الرسالة التي هي في معنى القول ، أي هذا قول رب العالمين لك . و ( أرسل معنا ) أطلق ولا تحبسهم ، فالإرسال هنا ليس بمعنى التوجيه . وهذا الكلام يتضمن موسى أمر بإخراج بني إسرائيل من بلاد الفراعنة لقصد تحريرهم من استعباد المصريين كما سيأتي عند قوله تعالى : ( أن أن عبدت بني إسرائيل ) ، وقد تقدم في سورة البقرة بيان أسباب سكنى بني إسرائيل بأرض مصر ومواطنهم بها وعملهم لفرعون .