ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون تعقيب قصة نوح وقومه بقصة رسول آخر ، أي : أخرى ، وما بعدها من القصص يراد منه أن ما أصاب قوم نوح على تكذيبهم له لم يكن صدفة ولكنه سنة الله في المكذبين لرسله ولذلك لم يعين القرن ولا القرون بأسمائهم .
والقرن : الأمة . والأظهر أن المراد به هنا ثمود ; لأنه الذي يناسبه قوله في آخر القصة : فأخذتهم الصيحة بالحق ; لأن ثمود أهلكوا بالصاعقة [ ص: 50 ] ولقوله : قال عما قليل ليصبحن نادمين مع قوله في سورة الحجر : فأخذتهم الصيحة مصبحين فكان هلاكهم في الصباح . ولعل تخصيصهم بالذكر هنا دون عاد خلافا لما تكرر في غير هذه الآية ; لأن العبرة بحالهم أظهر لبقاء آثار ديارهم بالحجر كما قال تعالى : وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون .
وقوله : فأرسلنا فيهم رسولا أي : جعل الرسول بينهم وهو منهم ، أي : من قبيلتهم . وضمير الجمع عائد إلى ( قرنا ) ; لأنه في تأويل ( الناس ) كقوله : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا .
وعدي فعل ( أرسلنا ) بـ ( في ) دون ( إلى ) لإفادة أن الرسول كان منهم ونشأ فيهم ; لأن القرن لما لم يعين باسم حتى يعرف أن رسولهم منهم أو واردا إليهم مثل لوط لأهل سدوم ، ويونس لأهل نينوى ، وموسى للقبط . وكان التنبيه على أن رسولهم منهم مقصودا ، إتماما للمماثلة بين حالهم وحال الذين أرسل إليهم محمد صلى الله عليه وسلم .
وكلام رسولهم مثل كلام نوح .
و ( أن ) تفسير لما تضمنه ( أرسلنا ) من معنى القول .