ويجوز أن يكون متصلا بقوله إن ربك من بعدها لغفور رحيم ، فيكون انتصاب يوم تأتي كل نفس على الظرفية ( لغفور رحيم ) أي يغفر لهم ، ويرحمهم يوم القيامة بحيث لا يجدون أثرا لذنوبهم التي لا يخلو [ ص: 302 ] عنها غالب الناس ، ويجدون رحمة من الله بهم يومئذ ، فهذا المعنى هو مقتضى الإتيان بهذا الظرف .
والمجادلة : دفاع بالقول ; للتخلص من تبعة فعل ، وتقدم عند قوله تعالى ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم في سورة النساء .
والنفس الأول : بمعنى الذات والشخص كقوله أن النفس بالنفس ، والنفس الثانية ما به الشخص شخص ، فالاختلاف بينهما بالاعتبار كقول أعرابي قتل أخوه ابنا له من الحماسة :
أقول للنفس تأساء وتسلية إحدى يدي أصابتني ولم ترد
وتقدم في قوله وتنسون أنفسكم في سورة البقرة .وذلك أن العرب يستشعرون للإنسان جملة مركبة من جسد وروح فيسمونها النفس ، أي الذات ، وهي ما يعبر عنه المتكلم بضمير أنا ، ويستشعرون للإنسان قوة باطنية بها إدراكه ، ويسمونها نفسا أيضا ، ومنه أخذ علماء المنطق اسم النفس الناطقة .
والمعنى : يأتي كل أحد يدافع عن ذاته ، أي يدافع بأقواله ليدفع تبعات أعماله ، ففاعل المجادلة ، وما هو في قوة مفعوله شيء واحد ، وهذا قريب من نوع وقوع الفاعل والمفعول شيئا واحدا في أفعال الظن والدعاء بكثرة ، مثل : أراني فاعلا كذا ، وقولهم : عدمتني ، وفقدتني ، وبقلة في غير ذلك مع الأفعال نحو قول امرئ القيس :
قد بت أحرسني وحدي ويمنعني صوت السباع به يضبحن والهام
[ ص: 303 ] والظلم : الاعتداء على الحق ، وأطلق هنا على مجاوزة الحد المعين للجزاء في الشر ، والإجحاف عنه في الخير ; لأن الله لما عين الجزاء على الشر ، ووعد بالجزاء على الخير صار ذلك كالحق لكل فريق . والعلم بمراتب هذا التحديد مفوض لله تعالى ولا يظلم ربك أحدا .
وضمير و ( وهم لا يظلمون ) عائدان إلى كل نفس بحسب المعنى ; لأن كل نفس يدل على جمع من النفوس .
وزيادة هذه الجملة للتصريح بمفهوم وتوفى كل نفس ما عملت ; لأن توفية تستلزم كون تلك التوفية عدلا ، فصرح بهذا اللازم بطريقة نفي ضده ، وهو نفي الظلم عنهم ، وللتنبيه على أن العدل من صفات الله تعالى ، وحصل مع ذلك تأكيد المعنى الأول . الجزاء على العمل