nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94nindex.php?page=treesubj&link=28986_30614_29278فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=95إنا كفيناك المستهزئين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=96الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون تفريع على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=87ولقد آتيناك سبعا من المثاني بصريحه وكنايته عن التسلية على ما يلاقيه من تكذيب قومه .
[ ص: 88 ] نزلت هذه الآية في السنة الرابعة أو الخامسة من البعثة ورسول الله - عليه الصلاة والسلام - مختف في دار
nindex.php?page=showalam&ids=377الأرقم بن أبي الأرقم .
روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قال :
ما زال النبيء - صلى الله عليه وسلم - مستخفيا حتى نزلت nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94فاصدع بما تؤمر فخرج هو وأصحابه ، يعني
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت سورة المدثر كان يدعو الناس خفية ، وكان من أسلم من الناس إذا أراد الصلاة يذهب إلى بعض الشعاب يستخفي بصلاته من المشركين ، فلحقهم المشركون يستهزئون بهم ويعيبون صلاتهم ، فحدث تضارب بينهم وبين nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص أدمى فيه سعد رجلا من المشركين ، فبعد تلك الوقعة دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه دار الأرقم عند الصفا ; فكانوا يقيمون الصلاة بها واستمروا كذلك ثلاث سنين أو تزيد ، فنزل قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94فاصدع بما تؤمر الآية ، وبنزولها ترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - الاختفاء بدار الأرقم ، وأعلن بالدعوة للإسلام جهرا .
والصدع : الجهر والإعلان ، وأصله الانشقاق ، ومنه انصداع الإناء ، أي انشقاقه ; فاستعمل الصدع في لازم الانشقاق ، وهو ظهور الأمر المحجوب وراء الشيء المنصدع; فالمراد هنا الجهر والإعلان .
وماصدق ( ما تؤمر ) هو الدعوة إلى الإسلام .
وقصد شمول الأمر كل ما أمر الرسول - عليه الصلاة والسلام - بتبليغه ، هو نكتة حذف متعلق ( تؤمر ) ، فلم يصرح بنحو ( بتبليغه ) أو بالأمر به أو بالدعوة إليه ، وهو إيجاز بديع .
والإعراض عن المشركين الإعراض عن بعض أحوالهم لا عن ذواتهم ، وذلك إبايتهم الجهر بدعوة الإسلام بين ظهرانيهم ، وعن استهزائهم ، وعن تصديهم إلى أذى المسلمين ، وليس الإعراض عن دعوتهم ; لأن قوله تعالى إلى أذى المسلمين ، وليس المراد الإعراض عن دعوتهم ; لأن قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94فاصدع بما تؤمر مانع من ذلك ، وكذلك جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=95إنا كفيناك المستهزئين .
[ ص: 89 ] وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=95إنا كفيناك المستهزئين تعليل للأمر بالإعلان بما أمر به ، فإن اختفاء النبيء - صلى الله عليه وسلم -
بدار الأرقم كان بأمر من الله تعالى ; لحكمة علمها الله أهمها تعدد الداخلين في الإسلام في تلك المدة بحيث يغتاظ المشركون من وفرة الداخلين في الدين مع أن دعوته مخفية ، ثم إن الله أمر رسوله - عليه الصلاة والسلام - بإعلان دعوته لحكمة أعلى ، تهيأ اعتبارها في علمه تعالى .
والتعبير عنهم بوصف المستهزئين إيماء إلى أنه كفاه استهزاءهم ، وهو أقل أنواع الأذى ، فكفايته ما هو أشد من الاستهزاء من الأذى مفهوم بطريق الأحرى .
وتأكيد الخبر بـ ( إن ) لتحقيقه اهتماما بشأنه لا للشك في تحققه .
والتعريف في المستهزئين للجنس فيفيد العموم ، أي كفيناك كل مستهزئ ، وفي التعبير عنهم بهذا الوصف إيماء إلى أن قصارى ما يؤذونه به الاستهزاء ، كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=111لن يضروكم إلا أذى ، فقد صرفهم الله عن أن يؤذوا النبيء بغير الاستهزاء ، وذلك لطف من الله برسوله - صلى الله عليه وسلم - .
ومعنى الكفاية تولي الكافي مهم المكفي ، فالكافي هو متولي عمل عن غيره لأنه أقدر عليه أو لأنه يبتغي راحة المكفى ، يقال : كفيت مهمك ، فيتعدى الفعل إلى مفعولين ثانيهما هو المهم المكفي منه . فالأصل أن يكون مصدرا فإذا كان اسم ذات فالمراد أحواله التي يدل عليها المقام ، فإذا قلت : كفيتك عدوك ، فالمراد : كفيتك بأسه ، وإذا قلت : كفيتك غريمك ، فالمراد : كفيتك مطالبته ، فلما قال هنا
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=95كفيناك المستهزئين فهم أن المراد كفيناك الانتقام منهم وإراحتك من استهزائهم . وكانوا يستهزئون بصنوف من الاستهزاء كما تقدم .
ويأتي في آيات كثيرة من استهزائهم استهزاؤهم بأسماء سور القرآن مثل سورة العنكبوت وسورة البقرة ، كما في الإتقان في ذكر أسماء السور .
[ ص: 90 ] وعد من كبرائهم خمسة هم :
الوليد بن المغيرة ، والأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن المطلب ، والحارث ابن عيطلة ، ويقال ابن عيطل - وهو اسم أمه دعي لها - واسم أبيه
قيس ، وفي الكشاف
والقرطبي أنه
ابن الطلاطلة ، ومثله في القاموس ، وهي بضم الطاء الأولى ، وكسر الطاء الثانية
والعاصي بن وائل ، هلكوا
بمكة متتابعين ، وكان هلاكهم العجيب المحكي في كتب السيرة صارفا أتباعهم عن الاستهزاء لانفراط عقدهم .
وقد يكون من أسباب كفايتهم زيادة الداخلين في الإسلام بحيث صار بأس المسلمين مخشيا ، وقد أسلم
nindex.php?page=showalam&ids=135حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - فاعتز به المسلمون ، ولم يبق من أذى المشركين إياهم إلا الاستهزاء ، ثم أسلم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فخشيه سفهاء المشركين ، وكان إسلامه في حدود سنة خمس من البعثة .
ووصفهم بـ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=96الذين يجعلون مع الله إلها آخر للتشويه بحالهم ، ولتسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنهم ما اقتصروا على الافتراء عليه فقد افتروا على الله .
وصيغة المضارع في قوله تعالى ( يجعلون ) للإشارة إلى أنهم مستمرون على ذلك مجددون له .
وفرع على الأمرين الوعيد بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=96فسوف يعلمون ، وحذف مفعول يعلمون لدلالة المقام عليه ، أي فسوف يعلمون جزاء بهتانهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94nindex.php?page=treesubj&link=28986_30614_29278فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=95إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=96الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=87وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي بِصَرِيحِهِ وَكِنَايَتِهِ عَنِ التَّسْلِيَةِ عَلَى مَا يُلَاقِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْمِهِ .
[ ص: 88 ] نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ أَوِ الْخَامِسَةِ مِنَ الْبَعْثَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُخْتَفٍ فِي دَارِ
nindex.php?page=showalam&ids=377الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ .
رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ :
مَا زَالَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَخْفِيًا حَتَّى نَزَلَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ فَخَرَجَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ، يَعْنِي
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ كَانَ يَدْعُو النَّاسَ خُفْيَةً ، وَكَانَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ النَّاسِ إِذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ يَذْهَبُ إِلَى بَعْضِ الشِّعَابِ يَسْتَخْفِي بِصَلَاتِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَلَحِقَهُمُ الْمُشْرِكُونَ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِمْ وَيَعِيبُونَ صَلَاتَهُمْ ، فَحَدَثَ تَضَارُبٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَدْمَى فِيهِ سَعْدٌ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَبَعْدَ تِلْكَ الْوَقْعَةِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ دَارَ الْأَرْقَمِ عِنْدَ الصَّفَا ; فَكَانُوا يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ بِهَا وَاسْتَمَرُّوا كَذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ أَوْ تَزِيدُ ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ الْآيَةَ ، وَبِنُزُولِهَا تَرَكَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الِاخْتِفَاءَ بِدَارِ الْأَرْقَمِ ، وَأَعْلَنَ بِالدَّعْوَةِ لِلْإِسْلَامِ جَهْرًا .
وَالصَّدْعُ : الْجَهْرُ وَالْإِعْلَانُ ، وَأَصْلُهُ الِانْشِقَاقُ ، وَمِنْهُ انْصِدَاعُ الْإِنَاءِ ، أَيِ انْشِقَاقُهُ ; فَاسْتُعْمِلَ الصَّدْعُ فِي لَازِمِ الِانْشِقَاقِ ، وَهُوَ ظُهُورُ الْأَمْرِ الْمَحْجُوبِ وَرَاءَ الشَّيْءِ الْمُنْصَدِعِ; فَالْمُرَادُ هُنَا الْجَهْرُ وَالْإِعْلَانُ .
وَمَاصَدَقُ ( مَا تُؤْمَرُ ) هُوَ الدَّعْوَةُ إِلَى الْإِسْلَامِ .
وَقَصْدُ شُمُولِ الْأَمْرِ كُلُّ مَا أُمِرَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِتَبْلِيغِهِ ، هُوَ نُكْتَةُ حَذْفِ مُتَعَلِّقِ ( تُؤْمَرُ ) ، فَلَمْ يُصَرِّحْ بِنَحْوِ ( بِتَبْلِيغِهِ ) أَوْ بِالْأَمْرِ بِهِ أَوْ بِالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ ، وَهُوَ إِيجَازٌ بَدِيعٌ .
وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الْمُشْرِكِينَ الْإِعْرَاضُ عَنْ بَعْضِ أَحْوَالِهِمْ لَا عَنْ ذَوَاتِهِمْ ، وَذَلِكَ إِبَايَتُهُمُ الْجَهْرَ بِدَعْوَةِ الْإِسْلَامِ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ ، وَعَنِ اسْتِهْزَائِهِمْ ، وَعَنْ تَصَدِّيهِمْ إِلَى أَذَى الْمُسْلِمِينَ ، وَلَيْسَ الْإِعْرَاضُ عَنْ دَعْوَتِهِمْ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى إِلَى أَذَى الْمُسْلِمِينَ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْإِعْرَاضَ عَنْ دَعْوَتِهِمْ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=95إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ .
[ ص: 89 ] وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=95إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِالْإِعْلَانِ بِمَا أُمِرَ بِهِ ، فَإِنَّ اخْتِفَاءَ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِدَارِ الْأَرْقَمِ كَانَ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ; لِحِكْمَةٍ عَلِمَهَا اللَّهُ أَهَمُّهَا تَعَدُّدُ الدَّاخِلِينَ فِي الْإِسْلَامِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ بِحَيْثُ يَغْتَاظُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ وَفْرَةِ الدَّاخِلِينَ فِي الدِّينِ مَعَ أَنَّ دَعْوَتَهُ مَخْفِيَةٌ ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ رَسُولَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِإِعْلَانِ دَعْوَتِهِ لِحِكْمَةٍ أَعْلَى ، تَهَيَّأَ اعْتِبَارُهَا فِي عِلْمِهِ تَعَالَى .
وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُمْ بِوَصْفِ الْمُسْتَهْزِئِينَ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ كَفَاهُ اسْتِهْزَاءُهُمْ ، وَهُوَ أَقَلُّ أَنْوَاعِ الْأَذَى ، فَكِفَايَتُهُ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ الِاسْتِهْزَاءِ مِنَ الْأَذَى مَفْهُومٌ بِطْرِيقِ الْأَحْرَى .
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِـ ( إِنَّ ) لِتَحْقِيقِهِ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ لَا لِلشَّكِّ فِي تَحَقُّقِهِ .
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ لِلْجِنْسِ فَيُفِيدُ الْعُمُومَ ، أَيْ كَفَيْنَاكَ كُلَّ مُسْتَهْزِئٍ ، وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْهُمْ بِهَذَا الْوَصْفِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ قُصَارَى مَا يُؤْذُونَهُ بِهِ الِاسْتِهْزَاءُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=111لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ، فَقَدْ صَرَفَهُمُ اللَّهُ عَنْ أَنْ يُؤْذُوا النَّبِيءَ بِغَيْرِ الِاسْتِهْزَاءِ ، وَذَلِكَ لُطْفٌ مِنَ اللَّهِ بِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَمَعْنَى الْكِفَايَةِ تَوَلِّي الْكَافِيَ مُهِمَّ الْمَكْفِيِّ ، فَالْكَافِي هُوَ مُتَوَلِّي عَمَلٍ عَنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْهِ أَوْ لِأَنَّهُ يَبْتَغِي رَاحَةَ الْمُكْفَى ، يُقَالُ : كَفَيْتُ مُهِمَّكَ ، فَيَتَعَدَّى الْفِعْلُ إِلَى مَفْعُولَيْنِ ثَانِيهِمَا هُوَ الْمُهِمُّ الْمَكْفِيُ مِنْهُ . فَالْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا فَإِذَا كَانَ اسْمَ ذَاتٍ فَالْمُرَادُ أَحْوَالُهُ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا الْمَقَامُ ، فَإِذَا قُلْتَ : كَفَيْتُكَ عَدُوَّكَ ، فَالْمُرَادُ : كَفَيْتُكَ بَأْسَهُ ، وَإِذَا قُلْتَ : كَفَيْتُكَ غَرِيمَكَ ، فَالْمُرَادُ : كَفَيْتُكَ مُطَالَبَتَهُ ، فَلَمَّا قَالَ هُنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=95كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ فُهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ كَفَيْنَاكَ الِانْتِقَامَ مِنْهُمْ وَإِرَاحَتُكَ مِنَ اسْتِهْزَائِهِمْ . وَكَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِصُنُوفٍ مِنْ الِاسْتِهْزَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَيَأْتِي فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنَ اسْتِهْزَائِهِمِ اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِأَسْمَاءِ سُوَرِ الْقُرْآنِ مِثْلُ سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ وَسُورَةِ الْبَقَرَةِ ، كَمَا فِي الْإِتْقَانِ فِي ذِكْرِ أَسْمَاءِ السُّوَرِ .
[ ص: 90 ] وَعُدَّ مِنْ كُبَرَائِهِمْ خَمْسَةٌ هُمُ :
الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ ، وَالْحَارِثُ ابْنُ عَيْطَلَةَ ، وَيُقَالُ ابْنُ عَيْطَلٍ - وَهُوَ اسْمُ أُمِّهِ دُعِيَ لَهَا - وَاسْمُ أَبِيهِ
قَيْسٌ ، وَفِي الْكَشَّافِ
وَالْقُرْطُبِيِّ أَنَّهُ
ابْنُ الطُّلَاطِلَةِ ، وَمِثْلُهُ فِي الْقَامُوسِ ، وَهِيَ بِضَمِّ الطَّاءِ الْأُولَى ، وَكَسْرِ الطَّاءِ الثَّانِيَةِ
وَالْعَاصِي بْنُ وَائِلٍ ، هَلَكُوا
بِمَكَّةَ مُتَتَابِعِينَ ، وَكَانَ هَلَاكُهُمُ الْعَجِيبُ الْمَحْكِيُّ فِي كُتُبِ السِّيرَةِ صَارِفًا أَتْبَاعَهُمْ عَنْ الِاسْتِهْزَاءِ لِانْفِرَاطِ عِقْدِهِمْ .
وَقَدْ يَكُونُ مِنْ أَسْبَابِ كِفَايَتِهِمْ زِيَادَةُ الدَّاخِلِينَ فِي الْإِسْلَامِ بِحَيْثُ صَارَ بَأْسُ الْمُسْلِمِينَ مَخْشِيًّا ، وَقَدْ أَسْلَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=135حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاعْتَزَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُمْ إِلَّا الِاسْتِهْزَاءُ ، ثُمَّ أَسْلَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَخَشِيَهُ سُفَهَاءُ الْمُشْرِكِينَ ، وَكَانَ إِسْلَامُهُ فِي حُدُودِ سَنَةِ خَمْسٍ مِنَ الْبَعْثَةِ .
وَوَصْفُهُمْ بِـ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=96الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لِلتَّشْوِيهِ بِحَالِهِمْ ، وَلِتَسْلِيَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُمْ مَا اقْتَصَرُوا عَلَى الِافْتِرَاءِ عَلَيْهِ فَقَدِ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ .
وَصِيغَةُ الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ( يَجْعَلُونَ ) لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ مُسْتَمِرُّونَ عَلَى ذَلِكَ مُجَدِّدُونَ لَهُ .
وَفُرِّعَ عَلَى الْأَمْرَيْنِ الْوَعِيدُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=96فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ، وَحَذْفُ مَفْعُولِ يَعْلَمُونَ لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ عَلَيْهِ ، أَيْ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ جَزَاءَ بُهْتَانِهِمْ .