[ ص: 137 ] الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب
استئناف اعتراضي مناسبته المضادة لحال الذين أضلهم الله ، والبيان لحال الذين هداهم مع التنبيه على أن مثال الذين ضلوا هو عدم اطمئنان قلوبهم لذكر الله ، وهو القرآن ; لأن قولهم لولا أنزل عليه آية من ربه يتضمن أنهم لم يعدوا القرآن آية من الله ، ثم التصريح بجنس عاقبة هؤلاء ، والتعريض بضد ذلك لأولئك ، فذكرها عقب الجملة السابقة يفيد الغرضين ويشير إلى السببين . ولذلك لم يجعل الذين آمنوا بدلا من من أناب لأنه لو كان كذلك لم تعطف على الصلة جملة وتطمئن قلوبهم ولا عطف وعملوا الصالحات على الصلة الثانية ، فـ الذين آمنوا الأول مبتدأ ، وجملة ألا بذكر الله تطمئن القلوب معترضة ، و الذين آمنوا الثاني بدل مطابق من الذين آمنوا الأول ، وجملة طوبى لهم خبر المبتدأ .
والاطمئنان : السكون ، واستعير هنا لليقين وعدم الشك ; لأن الشك يستعار له الاضطراب . وتقدم عند قوله تعالى ولكن ليطمئن قلبي في سورة البقرة .
و بذكر الله يجوز أن يراد به خشية الله ومراقبته بالوقوف عند أمره ونهيه . ويجوز أن يراد به القرآن قال وإنه لذكر لك ولقومك ، وهو المناسب قولهم لولا أنزل عليه آية من ربه لأنهم لم يكتفوا بالقرآن آية على صدق الرسول فقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه ، وعلى هذا المعنى جاء قوله تعالى في سورة الزمر فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ، أي للذين كان قد زادهم قسوة قلوب ، وقوله في آخرها ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله .
[ ص: 138 ] والذكر من . ويجوز أن يراد ذكر الله باللسان فإن إجراءه على اللسان ينبه القلوب إلى مراقبته . أسماء القرآن
وهذا وصف لحسن حال المؤمنين ومقايسته بسوء حالة الكافرين الذين غمر الشك قلوبهم ، قال تعالى بل قلوبهم في غمرة من هذا .
واختير المضارع في تطمئن مرتين لدلالته على تجدد الاطمئنان واستمراره وأنه لا يتخلله شك ولا تردد .
وافتتحت جملة ألا بذكر الله بحرف التنبيه اهتماما بمضمونها وإغراء بوعيه . وهي بمنزلة التذييل لما في تعريف القلوب من التعميم . وفيه إثارة الباقين على الكفر على أن يتسموا بسمة المؤمنين من لتطمئن قلوبهم ، كأنه يقول : إذا علمتم راحة بال المؤمنين فماذا يمنعكم بأن تكونوا مثلهم فإن تلك في متناولكم ; لأن ذكر الله بمسامعكم . التدبر في القرآن
وطوبى : مصدر من طاب طيبا إذا حسن . وهي بوزن البشرى والزلفى ، قلبت ياؤها واوا لمناسبة الضمة ، أي لهم الخير الكامل لأنهم اطمأنت قلوبهم بالذكر . فهم في طيب حال : في الدنيا بالاطمئنان ، وفي الآخرة بالنعيم الدائم وهو حسن المئاب وهو مرجعهم في آخر أمرهم .
وإطلاق المآب عليه باعتبار أنه آخر أمرهم وقرارهم كما أن قرار المرء بيته يرجع إليه بعد الانتشار منه . على أنه يناسب ما تقرر أن الأرواح من أمر الله ، أي من عالم الملكوت وهو عالم الخلد فمصيرها إلى الخلد رجوع إلى عالمها الأول . وهذا مقابل قوله في المشركين ولهم سوء الدار .
واللام في قوله ( لهم ) للملك .