حق سمع أن يعدى إلى المسموع بنفسه ، فتعديته بالباء هنا إما لأنه ضمن معنى أخبرت ، كقول المثل : " تسمع بالمعيدي خير من أن تراه " أي تخبر عنه . وإما أن تكون الباء مزيدة للتوكيد مثل قوله - تعالى : وامسحوا برءوسكم .
[ ص: 262 ] وأطلق على كلامهن اسم المكر ، قيل : لأنهن أردن بذلك أن يبلغ قولهن إليها فيغريها بعرضها يوسف - عليه السلام - عليهن فيرين جماله لأنهن أحببن أن يرينه . وقيل : لأنهن قلنه خفية فأشبه المكر ، ويجوز أن يكون أطلق على قولهن اسم المكر لأنهن قلنه في صورة الإنكار وهن يضمرن حسدها على اقتناء مثله ، إذ يجوز أن يكون الشغف بالعبد في عادتهم غير منكر .
وأعتدت : أصله أعددت ، أبدلت الدال الأولى تاء ، كما تقدم عند قوله - تعالى : وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا في سورة النساء .
والمتكأ : محل الاتكاء . والاتكاء : جلسة قريبة من الاضطجاع على الجنب مع انتصاب قليل في النصف الأعلى . وإنما يكون الاتكاء إذا أريد إطالة المكث والاستراحة ، أي أحضرت لهن نمارق يتكئن عليها لتناول طعام . وكان أهل الترف يأكلون متكئين كما كانت عادة للرومان ، ولم تزل أسرة اتكائهم موجودة في ديار الآثار . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - . أما أنا فلا آكل متكئا
ومعنى آتت أمرت خدمها بالإيتاء كقوله : يا هامان ابن لي صرحا
والسكين : آلة قطع اللحم وغيره . قيل : أحضرت لهن أترجا وموزا فحضرن واتكأن ، وقد حذف هذان الفعلان إيجازا . وأعطت كل واحدة سكينا لقشر الثمار .
وقولها اخرج عليهن يقتضي أنه كان في بيت آخر وكان لا يدخل عليها إلا بإذنها . وعدي فعل الخروج بحرف على لأنه ضمن معنى " ادخل " لأن المقصود دخوله عليهن لا مجرد خروجه من البيت الذي هو فيه .
ومعنى أكبرنه أعظمنه ، أي أعظمن جماله وشمائله ، فالهمزة فيه للعد ، أي أعددنه كبيرا . وأطلق الكبر على عظيم الصفات تشبيها لوفرة الصفات بعظم الذات .
[ ص: 263 ] وتقطيع أيديهن كان من الذهول . أي أجرين السكاكين على أيديهن يحسبن أنهن يقطعن الفواكه . وأريد بالقطع الجرح ، أطلق عليه القطع مجازا للمبالغة في شدته حتى كأنه قطع قطعة من لحم اليد .
و حاش لله تركيب عربي جرى مجرى المثل يراد منه إبطال شيء عن شيء وبراءته منه . وأصل " حاشا " فعل يدل على المباعدة عن شيء ، ثم يعامل معاملة الحرف فيجر به في الاستثناء فيقتصر عليه تارة . وقد يوصل به اسم الجلالة فيصير كاليمين على النفي يقال : حاشا الله ، أي أحاشيه عن أن يكذب ، كما يقال : لا أقسم . وقد تزاد فيه لام الجر فيقال : حاشا لله وحاش لله ، بحذف الألف ، أي حاشا لأجله ، أي لخوفه أن أكذب . حكي بهذا التركيب كلام قالته النسوة يدل على هذا المعنى في لغة القبط حكاية بالمعنى .
وقرأ أبو عمرو " حاشا لله " بإثبات ألف حاشا في الوصل . وقرأ البقية بحذفها فيه . واتفقوا على الحذف في حالة الوقف .
وقولهن ما هذا بشرا مبالغة في فوته محاسن البشر ، فمعناه التفضيل في محاسن البشر ، وهو ضد معنى التشابه في باب التشبيه .
ثم شبهنه بواحد من الملائكة بطريقة حصره في جنس الملائكة تشبيها بليغا مؤكدا . وكان القبط يعتقدون وجود موجودات علوية هي من جنس الأرواح العلوية ، ويعبرون عنها بالآلهة أو قضاة يوم الجزاء ، ويجعلون لها صورا ، ولعلهم كانوا يتوخون أن تكون ذواتا حسنة . ومنها ما هي مدافعة عن الميت يوم الجزاء . فأطلق في الآية اسم الملك على ما كانت حقيقته مماثلة لحقيقة مسمى الملك في اللغة العربية تقريبا لأفهام السامعين .
فهذا التشبيه من تشبيه المحسوس بالمتخيل ، كقول امرئ القيس :
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
[ ص: 264 ] والفاء في فذلكن فاء الفصيحة ، أي إن كان هذا كما زعمتن ملكا فهو الذي بلغكن خبره فلمتنني فيه .
و لمتنني فيه " في " للتعليل ، مثل . وهنالك مضاف محذوف ، والتقدير : في شأنه أو في محبته . دخلت امرأة النار في هرة
والإشارة بـ ذلكن لتمييز يوسف - عليه السلام - ، إذ كن لم يرينه قبل . والتعبير عنه بالموصولية لعدم علم النسوة بشيء من معرفاته غير تلك الصلة ، وقد باحت لهن بأنها راودته لأنها رأت منهن الافتنان به فعلمت أنهن قد عذرنها . والظاهر أنهن كن خلائل لها فلم تكتم عنهن أمرها .
واستعصم : مبالغة في عصم نفسه ، فالسين والتاء للمبالغة ، مثل : استمسك واستجمع الرأي واستجاب . فالمعنى : أنه امتنع امتناع معصوم ، أي جاعلا المراودة خطيئة عصم نفسه منها .
ولم تزل مصممة على مراودته تصريحا بفرط حبها إياه ، واستشماخا بعظمتها ، وأن لا يعصي أمرها ، فأكدت حصول سجنه بنوني التوكيد ، وقد قالت ذلك بمسمع منه إرهابا له .
وحذف عائد صلة ما آمره وهو ضمير مجرور بالباء على نزع الخافض مثل : أمرتك الخير . . .
والسجن بفتح السين : قياس مصدر سجنه ، بمعنى الحبس في مكان محيط لا يخرج منه . ولم أره في كلامهم بفتح السين إلا في قراءة يعقوب هذه الآية . والسجن بكسر السين : اسم للبيت الذي يسجن فيه ، كأنهم سموه بصيغة المفعول كالذبح وأرادوا المسجون فيه . وقد تقدم قولها آنفا إلا أن يسجن أو عذاب أليم
والصاغر : الذليل . وتركيب من الصاغرين أقوى في معنى الوصف بالصغار من أن يقال : وليكونن صاغرا ، كما تقدم عند قوله - تعالى : [ ص: 265 ] قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين في سورة البقرة ، وقوله : وكونوا مع الصادقين في آخر سورة براءة .
وإعداد المتكأ لهن ، وبوحها بسرها لهن يدل على أنهن كن من خلائلها .