ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين الإشارة ب ذلكم إلى البلاء الحسن وهذه الإشارة لمجرد تأكيد المقصود من البلاء الحسن وأن ذلك البلاء علة للتوهين .
واسم الإشارة يفتتح به الكلام لمقاصد يجمعها التنبيه على أهمية ما يرد بعده كقوله - تعالى - " هذا وإن للطاغين لشر مئاب " ويجيء في الكلام الوارد تعليلا كقوله - تعالى - " ذلك بما قدمت أيديكم " .
وعليه فاسم الإشارة هنا مبتدأ حذف خبره وعطف عليه جملة " وأن الله موهن كيد الكافرين " .
وقوله " وأن الله " بفتح همزة أن ، فما بعدها في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل محذوفة ، والتقدير : ولتوهين كيد الكافرين ، ويجوز أن تكون الإشارة بذلكم إلى الأمرين ، وهو ما اقتضاه قوله : " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " من تعليل الرمي بخذل المشركين وهزمهم وإبلاء المؤمنين البلاء الحسن .
وإفراد اسم الإشارة مع كون المشار إليه اثنين على تأويل المشار إليه بالمذكور كما تقدم في نظيره في سورة البقرة .
و " كيد الكافرين " هو قصدهم الإضرار بالمسلمين في صورة ليست ظاهرها بمضرة ، وذلك أن جيش المشركين الذين جاءوا لإنقاذ العير لما علموا بنجاة عيرهم ، وظنوا خيبة المسلمين الذين خرجوا في طلبها ، أبوا أن يرجعوا إلى مكة وأقاموا على بدر لينحروا ويشربوا الخمر ويضربوا الدفوف فرحا وافتخارا بنجاة عيرهم [ ص: 298 ] وليس ذلك لمجرد اللهو ، ولكن ليتسامع العرب فيتساءلوا عن سبب ذلك فيخبروا بأنهم غلبوا المسلمين فيصرفهم ذلك عن اتباع الإسلام فأراد الله توهينهم بهزمهم تلك الهزيمة الشنعاء فهو موهن كيدهم في الحال ، وتقدم تفسير الكيد عند قوله - تعالى - " وأملي لهم إن كيدي متين " في سورة الأعراف .
وقرأ نافع وابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر ، " موهن " بفتح الواو وبتشديد الهاء وبالتنوين ونصب " كيد " ، وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، وخلف ، ويعقوب ، " موهن " بتسكين الواو وتخفيف الهاء ونصب " كيد " - والمعنى على القراءتين سواء ، وقرأ حفص عن عاصم بإضافة " موهن " إلى " كيد " ، والمعنى وهي إضافة لفظية مساوية للتنكير .