ابن أبي عصرون
الشيخ الإمام العلامة ، الفقيه البارع ، المقرئ الأوحد ، شيخ الشافعية ، قاضي القضاة ، شرف الدين ، عالم أهل
الشام أبو سعد عبد الله بن محمد بن هبة الله ابن المطهر بن علي بن أبي عصرون بن أبي السري
[ ص: 126 ] التميمي الحديثي الأصل ، الموصلي ، الشافعي .
ولد سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة .
وتفقه على
المرتضى الشهرزوري والد القاضي
كمال الدين ،
وأبي عبد الله الحسين بن خميس الموصلي ، وتلقن على
المسلم السروجي .
وتلا بالسبع على
أبي عبد الله الحسين بن محمد البارع ، وبالعشر على
أبي بكر المزرفي ،
ودعوان بن علي ،
وسبط الخياط .
وتفقه
بواسط مدة على القاضي
أبي علي الفارقي ، وتلا بالروايات على
أبي العز القلانسي ؛ قاله
ابن النجار .
وعلق
ببغداد عن
أسعد الميهني ، وأخذ الأصول عن
أبي الفتح أحمد بن برهان وسمع من
أبي القاسم بن الحصين ،
وأبي البركات ابن البخاري ،
وإسماعيل بن أبي صالح ، وفي سنة ثمان وخمسمائة من
أبي الحسن بن طوق ، وحصل علما جما .
ورجع إلى بلده ، فدرس
بالموصل في سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة ، ثم سكن
سنجار مدة ، وقدم
حلب سنة خمس وأربعين فدرس بها ، وأقبل عليه صاحبها
nindex.php?page=showalam&ids=17217نور الدين محمود بن زنكي ، ثم قدم معه
دمشق إذ تملكها ، ودرس
بالغزالية ، وولي نظر الأوقاف ، ثم رجع إلى
حلب ، ثم ولي
[ ص: 127 ] قضاء
حران وسنجار وديار ربيعة ، وتفقه عليه أئمة ، ثم عاد إلى
دمشق سنة سبعين ، ثم ولي قضاءها سنة ثلاث وسبعين وصنف التصانيف ، وأقرأ القراءات والفقه ، واشتهر ذكره ، وعظم قدره .
ألف كتاب " صفوة المذهب في نهاية المطلب " وهو سبع مجلدات ، وكتاب " الانتصار " في أربع مجلدات ، وكتاب " المرشد " في مجلدين ، وكتاب " الذريعة في معرفة الشريعة " ، وكتاب " التيسير في الخلاف " أربعة أجزاء ، وكتاب " مآخذ النظر " ، وكتاب " الفرائض " ، وكتاب " الإرشاد " في نصرة المذهب ، وما كمل .
وبنى له
نور الدين مدارس
بحلب وحماة وحمص وبعلبك ، وبنى لنفسه مدرسة
بحلب ومدرسة
بدمشق ، وقبره بها .
من تأليفه : كتاب " التنبيه في معرفة الأحكام " ، وكتاب " فوائد المهذب " مجلدان ، وصنف جزءا في صحة قضاء الأعمى لما أضر ، وهو خلاف المذهب وفي ذلك وجه قوي .
ولما ولي قضاء
دمشق ، ناب عنه القاضي
محيي الدين محمد ابن الزكي ،
وأوحد الدين داود ، وكتب لهما تقليد من السلطان
صلاح الدين بالنيابة ، ولما فقد بصره ، قلد السلطان القضاء ولده
محيي الدين من غير أن يعزل الوالد ، واستقل
محيي الدين ابنه إلى سنة سبع وثمانين ، ثم صرف
بمحيي الدين ابن الزكي .
[ ص: 128 ] حدث عن
أبي سعد جماعة ، منهم : الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13439موفق الدين بن قدامة ،
وأبو القاسم بن صصرى ، والقاضي
أبو نصر بن الشيرازي ،
وعبد اللطيف بن سيما ،
و [ محمود بن ] علي بن قرقين وصديق بن رمضان ،
والعماد أبو بكر عبد الله بن النحاس ،
والإمام بهاء الدين ابن الجميزي .
ولأبي سعد نظم جيد ، منه
أمستخبري عن حنيني إليه وعن زفراتي وفرط اشتياقي لك الخير إن بقلبي إليك
ظما لا يرويه إلا التلاقي
وله :
يا سائلي كيف حالي بعد فرقته حاشاك مما بقلبي من تنائيكا
[ ص: 129 ] قد أقسم الدمع لا يجفو الجفون أسى والنوم لا زارها حتى ألاقيكا
وقرأت بخط الشيخ
الموفق ، قال : سمعنا درسه مع أخي
أبي عمر وانقطعنا ، فسمعت أخي يقول : دخلت عليه بعد ، فقال : لم انقطعتم عني ؟ قلت : إن ناسا يقولون : إنك أشعري ، فقال : والله ما أنا أشعري . هذا معنى الحكاية .
وتلا عليه بالعشر
ابن الجميزي .
توفي في حادي عشر رمضان سنة خمس وثمانين وخمسمائة .
ابْنُ أَبِي عَصْرُونَ
الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ ، الْفَقِيهُ الْبَارِعُ ، الْمُقْرِئُ الْأَوْحَدُ ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ ، قَاضِي الْقُضَاةِ ، شَرَفُ الدِّينِ ، عَالِمُ أَهْلِ
الشَّامِ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي عَصْرُونَ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ
[ ص: 126 ] التَّمِيمِيُّ الْحَدِيثِيُّ الْأَصْلُ ، الْمَوْصِلِيُّ ، الشَّافِعِيُّ .
وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ .
وَتَفَقَّهَ عَلَى
الْمُرْتَضَى الشَّهْرُزُورِيِّ وَالِدِ الْقَاضِي
كَمَالِ الدِّينِ ،
وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ خَمِيسٍ الْمَوْصِلِيِّ ، وَتَلَقَّنَ عَلَى
الْمُسْلِمِ السُّرُوجِيِّ .
وَتَلَا بِالسَّبْعِ عَلَى
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَارِعِ ، وَبِالْعَشْرِ عَلَى
أَبِي بَكْرٍ الْمَزْرَفِيِّ ،
وَدَعْوَانَ بْنِ عَلِيٍّ ،
وَسِبْطِ الْخَيَّاطِ .
وَتَفَقَّهَ
بِوَاسِطَ مُدَّةً عَلَى الْقَاضِي
أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِقِيِّ ، وَتَلَا بِالرِّوَايَاتِ عَلَى
أَبِي الْعِزِّ القَلَانِسِيِّ ؛ قَالَهُ
ابْنُ النَّجَّارِ .
وَعَلَّقَ
بِبَغْدَادَ عَنْ
أَسْعَدَ الْمِيهَنِيِّ ، وَأَخَذَ الْأُصُولَ عَنْ
أَبِي الْفَتْحِ أَحْمَدَ بْنِ بَرْهَانَ وَسَمِعَ مِنْ
أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْحُصَيْنِ ،
وَأَبِي الْبَرَكَاتِ ابْنِ الْبُخَارِيِّ ،
وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِمِائَةٍ مِنْ
أَبِي الْحَسَنِ بْنِ طَوْقٍ ، وَحَصَّلَ عِلْمًا جَمًّا .
وَرَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ ، فَدَرَّسَ
بِالْمَوْصِلِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ ، ثُمَّ سَكَنَ
سِنْجَارَ مُدَّةً ، وَقَدِمَ
حَلَبَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَدَرَّسَ بِهَا ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ صَاحِبُهَا
nindex.php?page=showalam&ids=17217نُورُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ زَنْكِيٍّ ، ثُمَّ قَدِمَ مَعَهُ
دِمَشْقَ إِذْ تَمَلَّكَهَا ، وَدَرَّسَ
بِالْغَزَّالِيَّةِ ، وَوَلِيَ نَظَرَ الْأَوْقَافِ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى
حَلَبَ ، ثُمَّ وَلِيَ
[ ص: 127 ] قَضَاءَ
حَرَّانَ وَسِنْجَارَ وَدِيَارِ رَبِيعَةَ ، وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ أَئِمَّةٌ ، ثُمَّ عَادَ إِلَى
دِمَشْقَ سَنَةَ سَبْعِينَ ، ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَهَا سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَصَنَّفَ التَّصَانِيفَ ، وَأَقْرَأَ الْقِرَاءَاتِ وَالْفِقْهَ ، وَاشْتَهَرَ ذِكْرُهُ ، وَعَظُمَ قَدْرُهُ .
أَلَّفَ كِتَابَ " صَفْوَةُ الْمَذْهَبِ فِي نِهَايَةِ الْمَطْلَبِ " وَهُوَ سَبْعُ مُجَلَّدَاتٍ ، وَكِتَابَ " الِانْتِصَارُ " فِي أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ ، وَكِتَابَ " الْمُرْشِدُ " فِي مُجَلَّدَيْنِ ، وَكِتَابَ " الذَّرِيعَةُ فِي مَعْرِفَةِ الشَّرِيعَةِ " ، وَكِتَابَ " التَّيْسِيرُ فِي الْخِلَافِ " أَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ ، وَكِتَابَ " مَآخِذُ النَّظَرِ " ، وَكِتَابَ " الْفَرَائِضُ " ، وَكِتَابَ " الْإِرْشَادُ " فِي نُصْرَةِ الْمَذْهَبِ ، وَمَا كَمُلَ .
وَبَنَى لَهُ
نُورُ الدِّينِ مَدَارِسَ
بِحَلَبَ وَحَمَاةَ وَحِمْصَ وَبَعْلَبَكَّ ، وَبَنَى لِنَفْسِهِ مَدْرَسَةً
بِحَلَبَ وَمَدْرَسَةً
بِدِمَشْقَ ، وَقَبْرُهُ بِهَا .
مِنْ تَأْلِيفِهِ : كِتَابُ " التَّنْبِيهُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ " ، وَكِتَابُ " فَوَائِدُ الْمُهَذَّبِ " مُجَلَّدَانِ ، وَصَنَّفَ جُزْءًا فِي صِحَّةِ قَضَاءِ الْأَعْمَى لَمَّا أُضِرَّ ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَفِي ذَلِكَ وَجْهٌ قَوِيٌّ .
وَلَمَّا وَلِيَ قَضَاءَ
دِمَشْقَ ، نَابَ عَنْهُ الْقَاضِي
مُحْيِي الدِّينِ مُحَمَّدُ ابْنُ الزَّكِيِّ ،
وَأَوْحَدُ الدِّينِ دَاوُدُ ، وَكُتِبَ لَهُمَا تَقْلِيدٌ مِنَ السُّلْطَانِ
صَلَاحِ الدِّينِ بِالنِّيَابَةِ ، وَلَمَّا فَقَدَ بَصَرَهُ ، قَلَّدَ السُّلْطَانُ الْقَضَاءَ وَلَدَهُ
مُحْيِي الدِّينِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَالِدَ ، وَاسْتَقَلَّ
مُحْيِي الدِّينِ ابْنُهُ إِلَى سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ ، ثُمَّ صَرَفَ
بِمُحْيِي الدِّينِ ابْنِ الزَّكِيِّ .
[ ص: 128 ] حَدَّثَ عَنْ
أَبِي سَعْدٍ جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ : الشَّيْخُ
nindex.php?page=showalam&ids=13439مُوَفَّقُ الدِّينِ بْنُ قُدَامَةَ ،
وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ صَصْرَى ، وَالْقَاضِي
أَبُو نَصْرِ بْنُ الشِّيرَازِيِّ ،
وَعَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ سِيمَا ،
وَ [ مَحْمُودُ بْنُ ] عَلِيِّ بْنِ قَرْقِينَ وَصِدِّيقُ بْنُ رَمَضَانَ ،
وَالْعِمَادُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ النَّحَّاسِ ،
وَالْإِمَامُ بَهَاءُ الدِّينِ ابْنُ الْجُمَّيْزِيِّ .
وَلِأَبِي سَعْدٍ نَظْمٌ جَيِّدٌ ، مِنْهُ
أَمُسْتَخْبِرِي عَنْ حَنِينِي إِلَيْهِ وَعَنْ زَفَرَاتِي وَفَرْطِ اشْتِيَاقِي لَكَ الْخَيْرُ إِنَّ بِقَلْبِي إِلَيْكَ
ظَمًا لَا يُرَوِّيهِ إِلَّا التَّلَاقِي
وَلَهُ :
يَا سَائِلِي كَيْفَ حَالِي بَعْدَ فُرْقَتِهِ حَاشَاكَ مِمَّا بِقَلْبِي مِنْ تَنَائِيكَا
[ ص: 129 ] قَدْ أَقْسَمَ الدَّمْعُ لَا يَجْفُو الْجُفُونَ أَسًى وَالنَّوْمُ لَا زَارَهَا حَتَّى أُلَاقِيكَا
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ الشَّيْخِ
الْمُوَفَّقِ ، قَالَ : سَمِعْنَا دَرْسَهُ مَعَ أَخِي
أَبِي عُمَرَ وَانْقَطَعْنَا ، فَسَمِعْتُ أَخِي يَقُولُ : دَخَلْتُ عَلَيْهِ بَعْدُ ، فَقَالَ : لِمَ انْقَطَعْتُمْ عَنِّي ؟ قُلْتُ : إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ : إِنَّكَ أَشْعَرِيٌّ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا أَنَا أَشْعَرِيٌّ . هَذَا مَعْنَى الْحِكَايَةِ .
وَتَلَا عَلَيْهِ بِالْعَشْرِ
ابْنُ الْجُمَّيْزِيِّ .
تُوُفِّيَ فِي حَادِي عَشْرَ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ .