ابن عيذون
ذو الوزارتين أبو محمد عبد المجيد بن عيذون ، وهو منسوب إلى
[ ص: 599 ] جده لأمه عبد المجيد بن عبد الله بن عيذون الفهري الأندلسي ، اليابري النحوي ، الشاعر المفلق .
أخذ عن
أبي الحجاج الأعلم ،
وعاصم بن أيوب ،
وأبي مروان بن سراج ، وله نظم فائق ، ومؤلف في الانتصار
لأبي عبيد على ابن قتيبة ، وكان من بحور الآداب ، كتب الإنشاء
للمتوكل بن الأفطس صاحب
بطليوس وأشبونة ، وله فيهم مرثية باهرة أولها :
الدهر يفجع بعد العين بالأثر فما البكاء على الأشباح والصور
ثم تضعضع ، واحتاج ، وعمر ، فقال
أبو بكر بن زهر : دخل علينا رجل رث الهيئة ، كأنه بدوي ، فقال : يا بني ، استأذن لي على
الوزير أبي مروان ، فقلت : هو نائم ، فقال : ما هذا الكتاب ؟ قلت : وما سؤالك عنه ؟ ! هذا من كتاب الأغاني ، فقال : تقابله ؟ فقلت : ما هنا أصل .
قال : إني حفظته في الصغر ، فتبسمت ، فقال : فأمسك علي ، فأمسكت ، فو الله ما أخطأ شيئا ، وقرأ نحوا من كراسين ، فقمت مسرعا إلى أبي ، فخرج حافيا وعانقه ، وقبل يده واعتذر ، وسبني وهو يخفض عليه ، ثم حادثه ، ووهبه مركوبا ، ثم قلت : يا أبت ، من هذا ؟ قال : ويحك ! هذا أديب
الأندلس ابن عيذون ، أيسر محفوظاته كتاب " الأغاني " .
[ ص: 600 ] توفي
ابن عيذون بيابرة سنة سبع وعشرين وخمسمائة .
ابْنُ عَيْذُونَ
ذُو الْوِزَارَتَيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَيْذُونَ ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى
[ ص: 599 ] جَدِّهِ لِأُمِّهِ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيْذُونَ الْفِهْرَيِّ الْأَنْدَلُسِيِّ ، الْيَابِرِيِّ النَّحْوِيِّ ، الشَّاعِرِ الْمُفَلِّقِ .
أَخَذَ عَنْ
أَبِي الْحَجَّاجِ الْأَعْلَمِ ،
وَعَاصِمِ بْنِ أَيُّوبَ ،
وَأَبِي مَرْوَانَ بْنِ سِرَاجٍ ، وَلَهُ نَظْمٌ فَائِقٌ ، وَمُؤَلَّفٌ فِي الِانْتِصَارِ
لِأَبِي عُبَيْدٍ عَلَى ابْنِ قُتَيْبَةَ ، وَكَانَ مِنْ بُحُورِ الْآدَابِ ، كَتَبَ الْإِنْشَاءَ
لِلْمُتَوَكِّلِ بْنِ الْأَفْطَسِ صَاحِبِ
بَطْلَيُوسَ وَأُشْبُونَةَ ، وَلَهُ فِيهِمْ مَرْثِيَّةٌ بَاهِرَةٌ أَوَّلُهَا :
الدَّهْرُ يَفْجَعُ بَعْدَ الْعَيْنِ بِالْأَثَرِ فَمَا الْبُكَاءُ عَلَى الْأَشْبَاحِ وَالصُّوَرِ
ثُمَّ تَضَعْضَعَ ، وَاحْتَاجَ ، وَعُمِّرَ ، فَقَالَ
أَبُو بَكْرِ بْنُ زُهْرٍ : دَخَلَ عَلَيْنَا رَجُلٌ رَثُّ الْهَيْئَةِ ، كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى
الْوَزِيرِ أَبِي مَرْوَانَ ، فَقُلْتُ : هُوَ نَائِمٌ ، فَقَالَ : مَا هَذَا الْكِتَابُ ؟ قُلْتُ : وَمَا سُؤَالُكَ عَنْهُ ؟ ! هَذَا مِنْ كِتَابِ الْأَغَانِي ، فَقَالَ : تُقَابِلُهُ ؟ فَقُلْتُ : مَا هُنَا أَصْلٌ .
قَالَ : إِنِّي حَفِظْتُهُ فِي الصِّغَرِ ، فَتَبَسَّمْتُ ، فَقَالَ : فَأَمْسِكْ عَلَيَّ ، فَأَمْسَكْتُ ، فَوَ اللَّهِ مَا أَخْطَأَ شَيْئًا ، وَقَرَأَ نَحْوًا مَنْ كُرَّاسِّينَ ، فَقُمْتُ مُسْرِعًا إِلَى أَبِي ، فَخَرَجَ حَافِيًا وَعَانَقَهُ ، وَقَبَّلَ يَدَهُ وَاعْتَذَرَ ، وَسَبَّنِي وَهُوَ يُخَفِّضُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ حَادَثَهُ ، وَوَهَبَهُ مَرْكُوبًا ، ثُمَّ قُلْتُ : يَا أَبَتِ ، مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : وَيْحَكَ ! هَذَا أَدِيبُ
الْأَنْدَلُسِ ابْنُ عَيْذُونَ ، أَيْسَرُ مَحْفُوظَاتِهِ كِتَابُ " الْأَغَانِي " .
[ ص: 600 ] تُوُفِّيَ
ابْنُ عَيْذُونَ بِيَابُرَةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ .