المختار بن أبي عبيد الثقفي
الكذاب ، كان والده الأمير أبو عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن عنزة بن عوف بن ثقيف قد أسلم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم نعلم له صحبة .
استعمله
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب على جيش ، فغزا
العراق ، وإليه تنسب
[ ص: 539 ] وقعة
جسر أبي عبيد .
ونشأ
المختار ، فكان من كبراء
ثقيف ، وذوي الرأي ، والفصاحة ، والشجاعة ، والدهاء ، وقلة الدين ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=879992يكون في ثقيف كذاب ومبير فكان الكذاب هذا ، ادعى أن الوحي يأتيه ، وأنه يعلم الغيب ، وكان المبير
الحجاج ، قبحهما الله .
قال
أحمد في " مسنده " : حدثنا
ابن عمير ، حدثنا
عيسى بن عمر حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
رفاعة الفتياني قال : دخلت على
المختار ، فألقى لي وسادة ، وقال : لولا أن
جبريل قام عن هذه ، لألقيتها لك ، فأردت أن أضرب عنقه ، فذكرت حديثا حدثنيه
عمرو بن الحمق ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=879993أيما مؤمن أمن مؤمنا على دمه فقتله ، فأنا من القاتل بريء .
وروى
مجالد ، عن
الشعبي قال : أقرأني
الأحنف كتاب
المختار إليه يزعم أنه نبي ، وكان
المختار قد سار من
الطائف بعد مصرع
الحسين إلى
مكة ، فأتى
ابن الزبير ، وكان قد طرد لشره إلى
الطائف ، فأظهر المناصحة ،
[ ص: 540 ] وتردد إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابن الحنفية ، فكانوا يسمعون منه ما ينكر . فلما مات
يزيد ، استأذن
ابن الزبير في الرواح إلى
العراق ، فركن إليه ، وأذن له .
وكتب إلى نائبه
بالعراق عبد الله بن مطيع يوصيه به ، فكان يختلف إلى
ابن مطيع ، ثم أخذ يعيب في الباطن
ابن الزبير ، ويثني على
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابن الحنفية ، ويدعو إليه ، وأخذ يشغب على
ابن مطيع ، ويمكر ويكذب ، فاستغوى جماعة ، والتفت عليه
الشيعة ، فخافه
ابن مطيع ، وفر من
الكوفة ، وتمكن هو ، ودعا
ابن الزبير إلى مبايعة
nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد ابن الحنفية ، فأبى ، فحصره ، وضيق عليه ، وتوعده ، فتألمت
الشيعة له ، ورد
المختار إلى
مكة .
ثم بعث معه
ابن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=12386إبراهيم بن محمد بن طلحة على خراج
الكوفة ، فقدم
المختار وقد هاجت
الشيعة للطلب بالثأر ، وعليهم
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد ، فأخذ
المختار يفسدهم ، ويقول : إني جئت من قبل
المهدي ابن الوصي ، يريد
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابن الحنفية ، فتبعه خلق ، وقال : إن
سليمان لا يصنع شيئا ، إنما يلقي بالناس إلى التهلكة ، ولا خبرة له بالحرب .
وخاف
عمر بن سعد بن أبي وقاص ، فذهب
عبد الله بن يزيد الخطمي نائب ابن الزبير وإبراهيم بن محمد إلى
ابن صرد فقالا : إنكم أحب أهل بلدنا إلينا ، فلا تفجعونا بأنفسكم ، ولا تنقصوا عددنا بخروجكم ، قفوا حتى نتهيأ . قال
ابن صرد : قد خرجنا لأمر ولا نرانا إلا شاخصين .
فسار ، ومعه كل مستميت ، ومروا بقبر
الحسين ، فبكوا ، وأقاموا يوما عنده وقالوا : يا رب قد خذلناه ، فاغفر لنا ، وتب علينا ، ثم نزلوا
قرقيسيا ، فتم المصاف بعين الوردة ، وقتل
ابن صرد وعامة التوابين ، ومرض
عبيد الله بالجزيرة ، فاشتغل بذلك وبقتال أهلها عن
العراق سنة وحاصر
الموصل .
وأما
المختار فسجن مدة ، ثم خرج ، فحاربه
أهل الكوفة ، فقتل
رفاعة بن شداد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16436وعبد الله بن سعد ، وعدة . وغلب على
الكوفة ، وهرب منه
[ ص: 541 ] نائب
ابن الزبير ، فقتل جماعة ممن قاتل
الحسين ، وقتل
الشمر بن ذي الجوشن ،
وعمر بن سعد ، وقال : إن
جبريل ينزل علي بالوحي ، واختلق كتابا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابن الحنفية إليه يأمره بنصر
الشيعة ، وثار
nindex.php?page=showalam&ids=12361إبراهيم بن الأشتر في عشيرته ، فقتل صاحب الشرطة ، وسر به
المختار ، وقوي ، وعسكروا بدير هند ، فحاربهم
نائب ابن الزبير ، ثم ضعف واختفى ، وأخذ
المختار في العدل ، وحسن السيرة .
وبعث إلى النائب بمال ، وقال : اهرب . ووجد
المختار في بيت المال سبعة آلاف ألف درهم ، فأنفق في جيشه ، وكتب إلى
ابن الزبير : إني رأيت عاملك مداهنا
لبني أمية ، فلم يسعني أن أقره ، فانخدع له
ابن الزبير ، وكتب إليه بولاية
الكوفة ، فجهز
ابن الأشتر لحرب
عبيد الله بن زياد في آخر سنة ست وستين ، ومعه كرسي على بغل أشهب .
وقال
المختار : هذا فيه سر ، وهو آية لكم ، كما كان التابوت
لبني إسرائيل . فحفوا به يدعون ، فتألم
ابن الأشتر ، وقال : اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا سنة
بني إسرائيل إذ عكفوا على العجل .
فعن
طفيل بن جعدة بن هبيرة ، قال : كان لي جار زيات له كرسي ، فاحتجت فقلت
للمختار : إني كنت أكتمك شيئا ، والآن أذكره .
قال : وما هو ؟ قلت : كرسي كان أبي يجلس عليه ، كان يرى أن فيه أثارة من علم . قال : سبحان الله ! لم أخرته ؟ فجيء به وعليه ستر ، فأمر لي باثني عشر ألفا ، ودعا بالصلاة جامعة ، فاجتمعوا ، فقال : إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلا وهو كائن فيكم ، وقد كان في
بني إسرائيل التابوت ، وإن فينا
[ ص: 542 ] مثله . اكشفوا هذا ، فكشفوا الأثواب ، وقامت
السبائية . فرفعوا أيديهم ، فأنكر
شبث بن ربعي ، فضرب ، فلما انتصروا على
عبيد الله افتتنوا بالكرسي ، وتغالوا فيه ، فقلت : إنا لله ، وندمت . فلما زاد كلام الناس ، غيب . وكان
المختار يربطهم بالمحال والكذب ، ويتألفهم بقتل النواصب .
عن
الشعبي قال : خرجت أنا وأبي مع
المختار ، فقال لنا : أبشروا ، فإن شرطة الله قد حسوهم بالسيوف بقرب
نصيبين . فدخلنا
المدائن ، فوالله إنه ليخطبنا ، إذ جاءته البشرى بالنصر ، فقال : ألم أبشركم بهذا ؟ قالوا : بلى ، فقال لي همداني : أتؤمن الآن ؟ قلت : بماذا ؟ قال : بأن
المختار يعلم الغيب ، ألم يقل لنا : إنهم هزموا ؟ قلت : إنما زعم أن ذلك
بنصيبين ، وإنما وقع ذلك بالخازر من
الموصل . قال : والله لا تؤمن يا
شعبي حتى ترى العذاب الأليم .
وقيل : كان رجل يقول : قد وضع لنا اليوم وحي ما سمع الناس بمثله فيه نبأ ما يكون .
وعن
موسى بن عامر قال : إنما كان يضع لهم
عبد الله بن نوف ، يقول : إن
المختار أمرني به ، ويتبرأ من ذلك
المختار ، فقال
سراقة البارقي :
[ ص: 543 ] كفرت بوحيكم وجعلت نذرا علي هجاءكم حتى الممات أري عيني ما لم ترأياه
كلانا عالم بالترهات
ووقع المصاف ، فقتل
ابن زياد ، قده
ابن الأشتر نصفين . وكان بطل
النخع ، وفارس
اليمانية فدخل
الموصل ، واستولى على
الجزيرة .
ثم وجه
المختار أربعة آلاف فارس في نصر
nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد ابن الحنفية ، فكلموا
ابن الزبير ، وأخرجوه من الشعب ، وأقاموا في خدمته أشهرا ، حتى بلغهم قتل
المختار ، فإن
ابن الزبير علم مكره ، فندب لحربه أخاه
مصعبا ، فقدم
محمد بن الأشعث ،
nindex.php?page=showalam&ids=16088وشبث بن ربعي إلى
البصرة يستصرخان الناس على الكذاب ، ثم التقى
مصعب وجيش
المختار ، فقتل
ابن الأشعث ،
وعبيد الله بن علي بن أبي طالب ، وانفل
الكوفيون ، فحصرهم
مصعب في
دار الإمارة ، فكان
المختار يبرز في فرسانه ، ويقاتل حتى قتله
طريف الحنفي وأخوه
طراف في رمضان سنة سبع وستين ، وأتيا برأسه
مصعبا ، فوهبهما ثلاثين ألفا ، وقتل من الفريقين سبعمائة .
وقيل : كان
المختار في عشرين ألفا . ثم إن
مصعبا أساء ، فأمن
بقصر الإمارة خلقا ، ثم قتلهم غدرا ، وذبحت
عمرة بنت النعمان بن بشير صبرا ؛ لأنها شهدت أن زوجها
المختار عبد صالح . وأقبل في نجدة
مصعب nindex.php?page=showalam&ids=15350المهلب بن أبي صفرة في الرجال والأموال ، ولما خذل
المختار قال لصاحبه : ما من الموت بد ، وحبذا مصارع الكرام . وقل عليه القوت في الحصار والماء ، وجاعوا في القصر ، فبرز
المختار للموت في تسعة عشر مقاتلا .
فقال
المختار : أتؤمنوني ؟ قالوا : لا ، إلا على الحكم ، قال : لا أحكم في
[ ص: 544 ] نفسي . وقاتل حتى قتل ، وأمكن أهل
القصر من أنفسهم ، فبعث إليهم
عباد بن حصين ، فكان يخرجهم مكتفين ، ويقتلهم . فقال رجل
لمصعب بن الزبير : الحمد لله الذي ابتلانا بالأسر ، وابتلاك أن تعفو ، وهما منزلتان إحداهما رضى الله والأخرى سخطه ، من عفا ، عفا الله عنه ، ومن قتل ، لم يأمن القصاص ، نحن أهل قبلتكم وعلى ملتكم ، لسنا تركا ولا ديلما ، قاتلنا إخواننا كما اقتتل أهل
الشام بينهم ، ثم اصطلحوا ، وقد ملكتم فأسجحوا ، فرق
مصعب ، وهم أن يدعهم ، فوثب
nindex.php?page=showalam&ids=12582عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، وقال : اخترنا أو اخترهم ، وقال آخر : قتل أبي في خمسمائة من
همدان وتخليهم ؟ ! . وسمرت كف
المختار إلى جانب المسجد .
وروى
إسحاق بن سعيد ، عن أبيه قال : جاء
مصعب يزور
ابن عمر ، فقال : أي عم اسألك عن قوم خلعوا الطاعة ، وقاتلوا حتى إذا غلبوا ، تحصنوا ، وطلبوا الأمان ، فأعطوا ، ثم قتلوا . قال : كم العدد ؟ قال : خمسة آلاف ، فسبح
ابن عمر ، ثم قال : يا
مصعب لو أن امرءا أتى ماشية
الزبير ، فذبح منها خمسة آلاف شاة في غداة أكنت تعده مسرفا ؟ قال : نعم ، قال : فتراه إسرافا في البهائم . وقتلت من وحد الله . أما كان فيهم مكره أو جاهل ترجى توبته ، اصبب يا ابن أخي من الماء البارد ما استطعت في دنياك .
وقد كان
المختار معظما
nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر ينفذ إليه بالأموال ، وكان
ابن عمر تحته
صفية أخت المختار .
ونشأ
المختار بالمدينة يعرف بالميل إلى
بني هاشم ، ثم سار إلى
البصرة يظهر بها ذكر
الحسين في أيام
معاوية ، فأخبر به
عبيد الله بن زياد ، فأمسك ، وضربه مائة ودرعه عباءة ، ونفاه إلى
الطائف . فلما عاذ
ابن الزبير بالبيت ، خرج إليه .
الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيُّ
الْكَذَّابُ ، كَانَ وَالِدُهُ الْأَمِيرُ أَبُو عُبَيْدِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَقَدَةَ بْنِ عَنَزَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ ثَقِيفٍ قَدْ أَسَلَمَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ نَعْلَمْ لَهُ صُحْبَةً .
اسْتَعْمَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى جَيْشٍ ، فَغَزَا
الْعِرَاقَ ، وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ
[ ص: 539 ] وَقْعَةُ
جِسْرِ أَبِي عُبَيْدٍ .
وَنَشَأَ
الْمُخْتَارُ ، فَكَانَ مِنْ كُبَرَاءِ
ثَقِيفٍ ، وَذَوِي الرَّأْيِ ، وَالْفَصَاحَةِ ، وَالشَّجَاعَةِ ، وَالدَّهَاءِ ، وَقِلَّةِ الدِّينِ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=879992يَكُونُ فِي ثَقِيفَ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ فَكَانَ الْكَذَّابُ هَذَا ، ادَّعَى أَنَّ الْوَحْيَ يَأْتِيهِ ، وَأَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ ، وَكَانَ الْمُبِيرُ
الْحَجَّاجُ ، قَبَّحَهُمَا اللَّهُ .
قَالَ
أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " : حَدَّثَنَا
ابْنُ عُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا
عِيسَى بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ ، عَنْ
رِفَاعَةَ الْفِتْيَانِيِّ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى
الْمُخْتَارِ ، فَأَلْقَى لِي وِسَادَةً ، وَقَالَ : لَوْلَا أَنَّ
جِبْرِيلَ قَامَ عَنْ هَذِهِ ، لَأَلْقَيْتُهَا لَكَ ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ ، فَذَكَرْتُ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ
عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=879993أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَمَّنَ مُؤْمِنًا عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ ، فَأَنَا مِنَ الْقَاتِلِ بَرِيءٌ .
وَرَوَى
مُجَالِدٌ ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ : أَقْرَأَنِي
الْأَحْنَفُ كِتَابَ
الْمُخْتَارِ إِلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، وَكَانَ
الْمُخْتَارُ قَدْ سَارَ مِنَ
الطَّائِفِ بَعْدَ مَصْرَعِ
الْحُسَيْنِ إِلَى
مَكَّةَ ، فَأَتَى
ابْنَ الزُّبَيْرِ ، وَكَانَ قَدْ طُرِدَ لِشَرِّهِ إِلَى
الطَّائِفِ ، فَأَظْهَرَ الْمُنَاصَحَةَ ،
[ ص: 540 ] وَتَرَدَّدَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ ، فَكَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْهُ مَا يُنْكَرُ . فَلَمَّا مَاتَ
يَزِيدُ ، اسْتَأْذَنَ
ابْنَ الزُّبَيْرِ فِي الرَّوَاحِ إِلَى
الْعِرَاقِ ، فَرَكَنَ إِلَيْهِ ، وَأَذِنَ لَهُ .
وَكَتَبَ إِلَى نَائِبِهِ
بِالْعِرَاقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ يُوصِيهِ بِهِ ، فَكَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى
ابْنِ مُطِيعٍ ، ثُمَّ أَخَذَ يَعِيبُ فِي الْبَاطِنِ
ابْنَ الزُّبَيْرِ ، وَيُثْنِي عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَيَدْعُو إِلَيْهِ ، وَأَخَذَ يَشْغَبُ عَلَى
ابْنِ مُطِيعٍ ، وَيَمْكُرُ وَيَكْذِبُ ، فَاسْتَغْوَى جَمَاعَةً ، وَالْتَفَّتَ عَلَيْهِ
الشِّيعَةُ ، فَخَافَهُ
ابْنُ مُطِيعٍ ، وَفَرَّ مِنَ
الْكُوفَةِ ، وَتَمَكَّنَ هُوَ ، وَدَعَا
ابْنَ الزُّبَيْرِ إِلَى مُبَايَعَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=12691مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ ، فَأَبَى ، فَحَصَرَهُ ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِ ، وَتَوَعَّدَهُ ، فَتَأَلَّمَتِ
الشِّيعَةُ لَهُ ، وَرَدَّ
الْمُخْتَارَ إِلَى
مَكَّةَ .
ثُمَّ بَعَثَ مَعَهُ
ابْنُ الزُّبَيْرِ nindex.php?page=showalam&ids=12386إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَلَى خَرَاجِ
الْكُوفَةِ ، فَقَدِمَ
الْمُخْتَارُ وَقَدْ هَاجَتِ
الشِّيعَةُ لِلطَّلَبِ بِالثَّأْرِ ، وَعَلَيْهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=123سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدَ ، فَأَخَذَ
الْمُخْتَارُ يُفْسِدُهُمْ ، وَيَقُولُ : إِنِّي جِئْتُ مِنْ قِبَلِ
الْمَهْدِيِّ ابْنِ الْوَصِيِّ ، يُرِيدُ
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ ، فَتَبِعَهُ خَلْقٌ ، وَقَالَ : إِنَّ
سُلَيْمَانَ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا ، إِنَّمَا يُلْقِي بِالنَّاسِ إِلَى التَّهْلُكَةِ ، وَلَا خِبْرَةَ لَهُ بِالْحَرْبِ .
وَخَافَ
عُمَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ ، فَذَهَبَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْخَطْمِيُّ نَائِبُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ إِلَى
ابْنِ صُرَدَ فَقَالَا : إِنَّكُمْ أَحَبُّ أَهْلِ بَلَدِنَا إِلَيْنَا ، فَلَا تَفْجَعُونَا بِأَنْفُسِكُمْ ، وَلَا تَنْقُصُوا عَدَدَنَا بِخُرُوجِكُمْ ، قِفُوا حَتَّى نَتَهَيَّأَ . قَالَ
ابْنُ صُرَدَ : قَدْ خَرَجْنَا لِأَمْرٍ وَلَا نَرَانَا إِلَّا شَاخِصِينَ .
فَسَارَ ، وَمَعَهُ كُلُّ مُسْتَمِيتٍ ، وَمَرُّوا بِقَبْرِ
الْحُسَيْنِ ، فَبَكَوْا ، وَأَقَامُوا يَوْمًا عِنْدَهُ وَقَالُوا : يَا رَبِّ قَدْ خَذَلْنَاهُ ، فَاغْفِرْ لَنَا ، وَتُبْ عَلَيْنَا ، ثُمَّ نَزَلُوا
قَرْقِيسِيَا ، فَتَمَّ الْمَصَافُّ بِعَيْنِ الْوَرْدَةِ ، وَقُتِلَ
ابْنُ صُرَدَ وَعَامَّةُ التَّوَّابِينَ ، وَمَرِضَ
عُبَيْدُ اللَّهِ بِالْجَزِيرَةِ ، فَاشْتَغَلَ بِذَلِكَ وَبِقِتَالِ أَهْلِهَا عَنِ
الْعِرَاقِ سَنَةً وَحَاصَرَ
الْمَوْصِلَ .
وَأَمَّا
الْمُخْتَارُ فَسُجِنَ مُدَّةً ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَحَارَبَهُ
أَهْلُ الْكُوفَةِ ، فَقَتَلَ
رِفَاعَةَ بْنَ شَدَّادٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16436وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ ، وَعِدَّةً . وَغَلَبَ عَلَى
الْكُوفَةِ ، وَهَرَبَ مِنْهُ
[ ص: 541 ] نَائِبُ
ابْنِ الزُّبَيْرِ ، فَقَتَلَ جَمَاعَةً مِمَّنْ قَاتَلَ
الْحُسَيْنَ ، وَقَتَلَ
الشِّمْرَ بْنَ ذِي الْجَوْشَنِ ،
وَعُمَرَ بْنَ سَعْدٍ ، وَقَالَ : إِنَّ
جِبْرِيلَ يَنْزِلُ عَلَيَّ بِالْوَحْيِ ، وَاخْتَلَقَ كِتَابًا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِنَصْرِ
الشِّيعَةِ ، وَثَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=12361إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْتَرِ فِي عَشِيرَتِهِ ، فَقَتَلَ صَاحِبَ الشُّرْطَةِ ، وَسُرَّ بِهِ
الْمُخْتَارُ ، وَقَوِيَ ، وَعَسْكَرُوا بِدِيرِ هِنْدَ ، فَحَارَبَهُمْ
نَائِبُ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، ثُمَّ ضَعُفَ وَاخْتَفَى ، وَأَخَذَ
الْمُخْتَارُ فِي الْعَدْلِ ، وَحُسْنِ السِّيرَةِ .
وَبَعَثَ إِلَى النَّائِبِ بِمَالٍ ، وَقَالَ : اهْرُبْ . وَوَجَدَ
الْمُخْتَارُ فِي بَيْتِ الْمَالِ سَبْعَةَ آلَافِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَأَنْفَقَ فِي جَيْشِهِ ، وَكَتَبَ إِلَى
ابْنِ الزُّبَيْرِ : إِنِّي رَأَيْتُ عَامِلَكَ مُدَاهِنًا
لِبَنِي أُمَيَّةَ ، فَلَمْ يَسَعْنِي أَنْ أُقِرَّهُ ، فَانْخَدَعَ لَهُ
ابْنُ الزُّبَيْرِ ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِوِلَايَةِ
الْكُوفَةِ ، فَجَهَّزَ
ابْنُ الْأَشْتَرِ لِحَرْبِ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّينَ ، وَمَعَهُ كُرْسِيٌّ عَلَى بَغْلٍ أَشْهَبَ .
وَقَالَ
الْمُخْتَارُ : هَذَا فِيهِ سِرٌّ ، وَهُوَ آيَةٌ لَكُمْ ، كَمَا كَانَ التَّابُوتُ
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ . فَحَفُّوا بِهِ يَدْعُونَ ، فَتَأَلَّمَ
ابْنُ الْأَشْتَرِ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا سُنَّةَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ عَكَفُوا عَلَى الْعِجْلِ .
فَعَنْ
طُفَيْلِ بْنِ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ ، قَالَ : كَانَ لِي جَارٌ زَيَّاتٌ لَهُ كُرْسِيٌّ ، فَاحْتَجْتُ فَقُلْتُ
لِلْمُخْتَارِ : إِنِّي كُنْتُ أَكْتُمُكَ شَيْئًا ، وَالْآنَ أَذْكُرُهُ .
قَالَ : وَمَا هُوَ ؟ قُلْتُ : كُرْسِيٌّ كَانَ أَبِي يَجْلِسُ عَلَيْهِ ، كَانَ يَرَى أَنَّ فِيهِ أَثَارَةً مِنْ عِلْمٍ . قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! لِمَ أَخَّرْتَهُ ؟ فَجِيءَ بِهِ وَعَلَيْهِ سِتْرٌ ، فَأَمَرَ لِي بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا ، وَدَعَا بِالصَّلَاةِ جَامِعَةً ، فَاجْتَمَعُوا ، فَقَالَ : إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ أَمْرٌ إِلَّا وَهُوَ كَائِنٌ فِيكُمْ ، وَقَدْ كَانَ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ التَّابُوتُ ، وَإِنَّ فِينَا
[ ص: 542 ] مِثْلَهُ . اكْشِفُوا هَذَا ، فَكَشَفُوا الْأَثْوَابَ ، وَقَامَتِ
السَّبَائِيَةُ . فَرَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ ، فَأَنْكَرَ
شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ ، فَضُرِبَ ، فَلَمَّا انْتَصَرُوا عَلَى
عُبَيْدِ اللَّهِ افْتُتِنُوا بِالْكُرْسِيِّ ، وَتَغَالَوْا فِيهِ ، فَقُلْتُ : إِنَّا لِلَّهِ ، وَنَدِمْتُ . فَلَمَّا زَادَ كَلَامُ النَّاسِ ، غُيِّبَ . وَكَانَ
الْمُخْتَارُ يَرْبِطُهُمْ بِالْمُحَالِ وَالْكَذِبِ ، وَيَتَأَلَّفَهُمْ بِقَتْلِ النَّوَاصِبِ .
عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ : خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي مَعَ
الْمُخْتَارِ ، فَقَالَ لَنَا : أَبْشِرُوا ، فَإِنَّ شُرْطَةَ اللَّهِ قَدْ حَسُّوهُمْ بِالسُّيُوفِ بِقُرْبِ
نَصِيبِينَ . فَدَخَلْنَا
الْمَدَائِنَ ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَيَخْطُبُنَا ، إِذْ جَاءَتْهُ الْبُشْرَى بِالنَّصْرِ ، فَقَالَ : أَلَمْ أُبَشِّرْكُمْ بِهَذَا ؟ قَالُوا : بَلَى ، فَقَالَ لِي هَمْدَانِيٌّ : أَتُؤْمِنُ الْآنَ ؟ قُلْتُ : بِمَاذَا ؟ قَالَ : بِأَنَّ
الْمُخْتَارَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ ، أَلَمْ يَقُلْ لَنَا : إِنَّهُمْ هُزِمُوا ؟ قُلْتُ : إِنَّمَا زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ
بِنَصِيبِينَ ، وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ بِالْخَازِرِ مِنَ
الْمَوْصِلِ . قَالَ : وَاللَّهِ لَا تُؤْمِنُ يَا
شَعْبِيُّ حَتَّى تَرَى الْعَذَابَ الْأَلِيمَ .
وَقِيلَ : كَانَ رَجُلٌ يَقُولُ : قَدْ وُضِعَ لَنَا الْيَوْمَ وَحْيٌ مَا سَمِعَ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فِيهِ نَبَأُ مَا يَكُونُ .
وَعَنْ
مُوسَى بْنِ عَامِرٍ قَالَ : إِنَّمَا كَانَ يَضَعُ لَهُمْ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُوفٍ ، يَقُولُ : إِنَّ
الْمُخْتَارَ أَمَرَنِي بِهِ ، وَيَتَبَرَّأُ مِنْ ذَلِكَ
الْمُخْتَارُ ، فَقَالَ
سُرَاقَةُ الْبَارِقِيُّ :
[ ص: 543 ] كَفَرْتُ بِوَحْيِكُمْ وَجَعَلْتُ نَذْرًا عَلَيَّ هِجَاءَكُمْ حَتَّى الْمَمَاتِ أُرِي عَيْنَيَّ مَا لَمْ تَرْأَيَاهُ
كِلَانَا عَالِمٌ بِالتُّرَّهَاتِ
وَوَقْعَ الْمَصَافُّ ، فَقُتِلَ
ابْنُ زِيَادٍ ، قَدَّهُ
ابْنُ الْأَشْتَرِ نِصْفَيْنِ . وَكَانَ بَطَلَ
النَّخَعِ ، وَفَارِسَ
الْيَمَانِيَّةِ فَدَخَلَ
الْمَوْصِلَ ، وَاسْتَوْلَى عَلَى
الْجَزِيرَةِ .
ثُمَّ وَجَّهَ
الْمُخْتَارُ أَرْبَعَةَ آلَافِ فَارِسٍ فِي نَصْرِ
nindex.php?page=showalam&ids=12691مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ ، فَكَلَّمُوا
ابْنَ الزُّبَيْرِ ، وَأَخْرَجُوهُ مِنَ الشِّعْبِ ، وَأَقَامُوا فِي خِدْمَتِهِ أَشْهُرًا ، حَتَّى بَلَغَهُمْ قَتْلُ
الْمُخْتَارِ ، فَإِنَّ
ابْنَ الزُّبَيْرِ عَلِمَ مَكْرَهُ ، فَنَدَبَ لِحَرْبِهِ أَخَاهُ
مُصْعَبًا ، فَقَدِمَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16088وَشَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ إِلَى
الْبَصْرَةِ يَسْتَصْرِخَانِ النَّاسَ عَلَى الْكَذَّابِ ، ثُمَّ الْتَقَى
مُصْعَبٌ وَجَيْشُ
الْمُخْتَارِ ، فَقُتِلَ
ابْنُ الْأَشْعَثِ ،
وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَانْفَلَّ
الْكُوفِيُّونَ ، فَحَصَرَهُمْ
مُصْعَبٌ فِي
دَارِ الْإِمَارَةِ ، فَكَانَ
الْمُخْتَارُ يَبْرُزُ فِي فُرْسَانِهِ ، وَيُقَاتِلُ حَتَّى قَتَلَهُ
طَرِيفٌ الْحَنَفِيُّ وَأَخُوهُ
طَرَّافٌ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ ، وَأَتَيَا بِرَأْسِهِ
مُصْعَبًا ، فَوَهَبَهُمَا ثَلَاثِينَ أَلْفًا ، وَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ سَبْعُمِائَةٍ .
وَقِيلَ : كَانَ
الْمُخْتَارُ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا . ثُمَّ إِنَّ
مُصْعَبًا أَسَاءَ ، فَأَمَّنَ
بِقَصْرِ الْإِمَارَةِ خَلْقًا ، ثُمَّ قَتَلَهُمْ غَدْرًا ، وَذُبِحَتْ
عَمْرَةُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ صَبْرًا ؛ لِأَنَّهَا شَهِدَتْ أَنَّ زَوْجَهَا
الْمُخْتَارَ عَبْدٌ صَالِحٌ . وَأَقْبَلَ فِي نَجْدَةِ
مُصْعَبٍ nindex.php?page=showalam&ids=15350الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ فِي الرِّجَالِ وَالْأَمْوَالِ ، وَلَمَّا خُذِلَ
الْمُخْتَارُ قَالَ لِصَاحِبِهِ : مَا مِنَ الْمَوْتِ بُدٌّ ، وَحَبَّذَا مَصَارِعُ الْكِرَامِ . وَقَلَّ عَلَيْهِ الْقُوتُ فِي الْحِصَارِ وَالْمَاءُ ، وَجَاعُوا فِي الْقَصْرِ ، فَبَرَزَ
الْمُخْتَارُ لِلْمَوْتِ فِي تِسْعَةَ عَشَرَ مُقَاتِلًا .
فَقَالَ
الْمُخْتَارُ : أَتُؤَمِّنُونِي ؟ قَالُوا : لَا ، إِلَّا عَلَى الْحُكْمِ ، قَالَ : لَا أُحَكِّمُ فِي
[ ص: 544 ] نَفْسِي . وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ، وَأَمْكَنَ أَهْلُ
الْقَصْرِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ
عَبَّادَ بْنَ حُصَيْنٍ ، فَكَانَ يُخْرِجُهُمْ مُكَتَّفِينَ ، وَيَقْتُلُهُمْ . فَقَالَ رَجُلٌ
لِمُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ابْتَلَانَا بِالْأَسْرِ ، وَابْتَلَاكَ أَنْ تَعْفُوَ ، وَهُمَا مَنْزِلَتَانِ إِحْدَاهُمَا رِضَى اللَّهِ وَالْأُخْرَى سَخَطُهُ ، مَنْ عَفَا ، عَفَا اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَنْ قَتَلَ ، لَمْ يَأْمَنِ الْقِصَاصَ ، نَحْنُ أَهْلُ قِبْلَتِكُمْ وَعَلَى مِلَّتِكُمْ ، لَسْنَا تُرْكًا وَلَا دَيْلَمًا ، قَاتَلْنَا إِخْوَانَنَا كَمَا اقْتَتَلَ أَهْلُ
الشَّامِ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ اصْطَلَحُوا ، وَقَدْ مَلَكْتُمْ فَأَسْجِحُوا ، فَرَّقَ
مُصْعَبٌ ، وَهَمَّ أَنْ يَدَعَهُمْ ، فَوَثَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=12582عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ ، وَقَالَ : اخْتَرْنَا أَوِ اخْتَرْهُمْ ، وَقَالَ آخَرُ : قُتِلَ أَبِي فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنْ
هَمْدَانَ وَتُخَلِّيهِمْ ؟ ! . وَسُمِرَتْ كَفُّ
الْمُخْتَارِ إِلَى جَانِبِ الْمَسْجِدِ .
وَرَوَى
إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : جَاءَ
مُصْعَبٌ يَزُورُ
ابْنَ عُمَرَ ، فَقَالَ : أَيْ عَمِّ اسْأَلُكَ عَنْ قَوْمٍ خَلَعُوا الطَّاعَةَ ، وَقَاتَلُوا حَتَّى إِذَا غُلِبُوا ، تَحَصَّنُوا ، وَطَلَبُوا الْأَمَانَ ، فَأُعْطُوا ، ثُمَّ قُتِلُوا . قَالَ : كَمِ الْعَدَدُ ؟ قَالَ : خَمْسَةُ آلَافٍ ، فَسَبَّحَ
ابْنُ عُمَرَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا
مُصْعَبُ لَوْ أَنَّ امْرَءًا أَتَى مَاشِيَةَ
الزُّبَيْرِ ، فَذَبَحَ مِنْهَا خَمْسَةَ آلَافِ شَاةٍ فِي غَدَاةٍ أَكُنْتَ تَعُدُّهُ مُسْرِفًا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَتَرَاهُ إِسْرَافًا فِي الْبَهَائِمِ . وَقَتَلْتَ مَنْ وَحَدَّ اللَّهَ . أَمَا كَانَ فِيهِمْ مُكْرَهٌ أَوْ جَاهِلٌ تُرْجَى تَوْبَتُهُ ، اصْبُبْ يَا ابْنَ أَخِي مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ مَا اسْتَطَعْتَ فِي دُنْيَاكَ .
وَقَدْ كَانَ
الْمُخْتَارُ مُعَظِّمًا
nindex.php?page=showalam&ids=12لِابْنِ عُمَرَ يَنْفُذُ إِلَيْهِ بِالْأَمْوَالِ ، وَكَانَ
ابْنُ عُمَرَ تَحْتَهُ
صَفِيَّةُ أُخْتُ الْمُخْتَارِ .
وَنَشَأَ
الْمُخْتَارُ بِالْمَدِينَةِ يُعْرَفُ بِالْمَيْلِ إِلَى
بَنِي هَاشِمٍ ، ثُمَّ سَارَ إِلَى
الْبَصْرَةِ يُظْهِرُ بِهَا ذِكْرَ
الْحُسَيْنِ فِي أَيَّامِ
مُعَاوِيَةَ ، فَأُخْبِرَ بِهِ
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ ، فَأُمْسِكَ ، وَضَرَبَهُ مِائَةً وَدَرَّعَهُ عَبَاءَةً ، وَنَفَاهُ إِلَى
الطَّائِفِ . فَلَمَّا عَاذَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ بِالْبَيْتِ ، خَرَجَ إِلَيْهِ .