داود بن علي
بن خلف ، الإمام ، البحر ، الحافظ ، العلامة ، عالم الوقت أبو سليمان البغدادي ، المعروف بالأصبهاني ، مولى أمير المؤمنين المهدي ، رئيس أهل الظاهر .
[ ص: 98 ] مولده سنة مائتين .
وسمع :
سليمان بن حرب ،
وعمرو بن مرزوق ،
nindex.php?page=showalam&ids=15020والقعنبي ،
ومحمد بن كثير العبدي ،
nindex.php?page=showalam&ids=17072ومسدد بن مسرهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق ابن راهويه ،
وأبا ثور الكلبي ،
والقواريري ، وطبقتهم .
وارتحل إلى
إسحاق [ ابن راهويه ] وسمع منه " المسند " و " التفسير " ، وناظر عنده ; وجمع وصنف ، وتصدر ، وتخرج به الأصحاب .
قال
أبو بكر الخطيب : صنف الكتب ، وكان إماما ورعا ناسكا زاهدا ، وفي كتبه حديث كثير ، لكن الرواية عنه عزيزة جدا .
حدث عنه : ابنه
أبو بكر محمد بن داود ،
وزكريا الساجي ،
ويوسف بن يعقوب الداودي ،
وعباس بن أحمد المذكر ، وغيرهم .
قال
أبو محمد ابن حزم : إنما عرف
بالأصبهاني ، لأن أمه أصبهانية ، وكان أبوه حنفي المذهب .
قال
أبو عمرو المستملي : رأيت
داود بن علي يرد على
إسحاق ابن راهويه ، وما رأيت أحدا قبله ولا بعده يرد عليه ، هيبة له .
قال
عمر بن محمد بن بجير الحافظ : سمعت
داود بن علي يقول : دخلت على
إسحاق وهو يحتجم ، فجلست ، فرأيت كتب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
[ ص: 99 ] فأخذت أنظر ، فصاح بي
إسحاق : أيش تنظر ؟ فقلت :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=79معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده قال : فجعل يضحك ، أو يتبسم .
سعيد بن عمر البرذعي ، قال : كنا عند
nindex.php?page=showalam&ids=12013أبي زرعة الرازي ، فاختلف رجلان من أصحابنا في أمر
داود الأصبهاني ،
والمزني ، والرجلان :
فضلك الرازي ،
وابن خراش فقال
ابن خراش :
داود كافر . وقال
فضلك : المزني : جاهل .
فأقبل
أبو زرعة يوبخهما ، وقال لهما : ما واحد منكما لهما بصاحب . ثم قال : ترى
داود هذا ، لو اقتصر على ما يقتصر عليه أهل العلم لظننت أنه يكمد أهل البدع بما عنده من البيان والآلة ولكنه تعدى ، لقد قدم علينا من
نيسابور ، فكتب إلي
محمد بن رافع ،
ومحمد بن يحيى ،
وعمرو بن زرارة ،
وحسين بن منصور ، ومشيخة
نيسابور بما أحدث هناك ، فكتمت ذلك لما خفت من عواقبه ، ولم أبد له شيئا من ذلك ، فقدم
بغداد .
وكان بينه وبين
صالح بن أحمد بن حنبل حسن ، فكلم
صالحا أن يتلطف له في الاستئذان على أبيه ، فأتى
صالح أباه ، فقال : رجل سألني أن يأتيك ، فقال : ما اسمه ؟ قال :
داود . قال : من أين هو ؟ قال : من
أصبهان . فكان
صالح يروغ عن تعريفه ، فما زال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد يفحص ، حتى فطن به ، فقال : هذا قد كتب إلى
محمد بن يحيى في أمره أنه زعم أن القرآن محدث ، فلا يقربني . فقال : يا أبه ! إنه ينتفي من هذا وينكره . فقال :
محمد بن يحيى أصدق منه ، لا تأذن له .
[ ص: 100 ] قال
أبو عبد الله المحاملي : رأيت
داود بن علي يصلي ، فما رأيت مسلما يشبهه في حسن تواضعه .
وقد كان
nindex.php?page=showalam&ids=16935محمد بن جرير الطبري يختلف إلى
داود بن علي مدة ، ثم تخلف عنه ، وعقد لنفسه مجلسا ، فأنشأ
داود يتمثل : فلو أني بليت بهاشمي خؤولته بنو عبد المدان
صبرت على أذاه لي ولكن تعالي فانظري بمن ابتلاني
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13456أحمد بن كامل القاضي : أخبرني
أبو عبد الله الوراق : أنه كان يورق على
داود بن علي ، وأنه سمعه يسأل عن القرآن ، فقال : أما الذي في اللوح المحفوظ : فغير مخلوق ، وأما الذي هو بين الناس : فمخلوق .
قلت : هذه التفرقة والتفصيل ما قالها أحد قبله ، فيما علمت ، وما زال المسلمون على أن القرآن العظيم كلام الله ، ووحيه وتنزيله ، حتى أظهر
المأمون القول : بأنه مخلوق ، وظهرت مقالة
المعتزلة ، فثبت الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، وأئمة السنة على القول : بأنه غير مخلوق ، إلى أن ظهرت مقالة
حسين بن علي الكرابيسي وهي : أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وأن ألفاظنا به مخلوقة ، فأنكر
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ذلك ، وعده بدعة ، وقال : من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، يريد به القرآن ، فهو جهمي . وقال أيضا : من
[ ص: 101 ] قال : لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع . فزجر عن الخوض في ذلك من الطرفين .
وأما
داود فقال : القرآن محدث . فقام على
داود خلق من أئمة الحديث ، وأنكروا قوله وبدعوه ، وجاء من بعده طائفة من أهل النظر ، فقالوا : كلام الله معنى قائم بالنفس ، وهذه الكتب المنزلة دالة عليه ، ودققوا وعمقوا ، فنسأل الله الهدى واتباع الحق ، فالقرآن العظيم ، حروفه ومعانيه وألفاظه كلام رب العالمين ، غير مخلوق ، وتلفظنا به وأصواتنا به من أعمالنا المخلوقة ، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :
nindex.php?page=hadith&LINKID=881094زينوا القرآن بأصواتكم ولكن لما كان الملفوظ لا يستقل إلا بتلفظنا ، والمكتوب لا ينفك عن كتابة ، والمتلو لا يسمع إلا بتلاوة تال ، صعب فهم المسألة ، وعسر إفراز اللفظ الذي هو الملفوظ من اللفظ الذي يعنى به التلفظ ، فالذهن يعلم الفرق بين هذا وبين هذا ، والخوض في هذا خطر . نسأل الله السلامة في الدين . وفي المسألة بحوث طويلة ، الكف عنها أولى ، ولا سيما في هذه الأزمنة المزمنة .
[ ص: 102 ] قال
أبو العباس ثعلب : كان
داود بن علي عقله أكبر من علمه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ الحافظ : ذاكرت
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري ،
nindex.php?page=showalam&ids=13216وابن سريج في كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة في الفقه ، فقالا : ليس بشيء ، فإذا أردت الفقه ، فكتب أصحاب الفقه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790كالشافعي ،
وداود ، ونظرائهما . ثم قالا : ولا كتب أبي
عبيد في الفقه ، أما ترى كتابه في " الأموال " ، مع أنه أحسن كتبه ؟
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : كان
داود عراقيا ، كتب ثمانية عشر ألف ورقة ، ومن أصحابه :
أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن رويم ،
وأبو بكر بن النجار ،
وأبو الطيب محمد بن جعفر الديباجي ،
وأحمد بن مخلد الإيادي ،
وأبو سعيد الحسن بن عبيد الله ، صاحب التصانيف ،
وأبو بكر محمد بن أحمد الدجاجي ،
وأبو نصر السجستاني ثم سرد أسماء عدة من تلامذته .
أخبرنا
عمر بن عبد المنعم عن
أبي اليمن الكندي ، أخبرنا
علي بن عبد السلام ، أخبرنا
أبو إسحاق الفقيه ، في " طبقات الفقهاء " له ، قال : ذكر فقهاء
بغداد ، ومنهم :
أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصبهاني ، ولد في سنة اثنتين ومائتين ومات سنة سبعين ومائتين .
أخذ العلم عن :
إسحاق ابن راهويه ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ; وكان زاهدا متقللا وقيل : إنه كان في مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر ، وكان من المتعصبين
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي ،
[ ص: 103 ] وصنف كتابين في فضائله والثناء عليه ، وانتهت إليه رئاسة العلم
ببغداد ، وأصله من
أصفهان ، ومولده
بالكوفة ، ومنشؤه
ببغداد ، وقبره بها في
الشونيزية .
وقال
أبو بكر الخلال : أخبرنا
الحسين بن عبد الله ، قال : سألت
المروذي عن قصة
داود الأصبهاني ، وما أنكر عليه
أبو عبد الله ، فقال : كان
داود خرج إلى
خراسان ، إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12418ابن راهويه ، فتكلم بكلام شهد عليه
أبو نصر بن عبد المجيد وآخر ، شهدا عليه أنه قال : القرآن محدث .
فقال لي
أبو عبد الله : من
داود بن علي ؟ لا فرج الله عنه . قلت : هذا من غلمان
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور . قال : جاءني كتاب
محمد بن يحيى النيسابوري أن
داود الأصبهاني قال ببلدنا : إن القرآن محدث . قال
المروذي : حدثني
محمد بن إبراهيم النيسابوري ، أن
إسحاق ابن راهويه لما سمع كلام
داود في بيته ، وثب على
داود وضربه ، وأنكر عليه .
الخلال : سمعت
أحمد بن محمد بن صدقة ، سمعت
محمد بن الحسين بن صبيح ، سمعت
داود الأصبهاني يقول : القرآن محدث ، ولفظي بالقرآن مخلوق .
وأخبرنا
سعيد بن أبي مسلم : سمعت
محمد بن عبدة يقول : دخلت إلى
داود ، فغضب علي
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، فدخلت عليه ، فلم يكلمني ، فقال له رجل : يا
أبا عبد الله ! إنه رد عليه مسألة . قال : وما هي ؟ قال :
[ ص: 104 ] قال : الخنثى إذا مات من يغسله ؟ قال
داود : يغسله الخدم . فقال
محمد بن عبدة : الخدم رجال ، ولكن ييمم ، فتبسم
أحمد وقال : أصاب ، أصاب ، ما أجود ما أجابه !
قال
محمد بن إسحاق النديم :
لداود من الكتب : كتاب " الإيضاح " كتاب " الإفصاح " ، كتاب " الأصول " ، كتاب " الدعاوى " ، كتاب كبير في الفقه ، كتاب " الذب عن السنة والأخبار " أربع مجلدات ، كتاب " الرد علي أهل الإفك " ، " صفة أخلاق النبي " ، كتاب " الإجماع " ، كتاب " إبطال القياس " ، كتاب " خبر الواحد وبعضه موجب للعلم " ، كتاب " الإيضاح " ، خمسة عشر مجلدا ، كتاب " المتعة " ، كتاب " إبطال التقليد " ، كتاب " المعرفة " ، كتاب " العموم والخصوص " . وسرد أشياء كثيرة .
قلت : للعلماء قولان في الاعتداد ، بخلاف
داود وأتباعه : فمن اعتد بخلافهم ، قال : ما اعتدادنا بخلافهم لأن مفرداتهم حجة ، بل لتحكى في الجملة ، وبعضها سائغ ، وبعضها قوي ، وبعضها ساقط ، ثم ما تفردوا به هو شيء من قبيل مخالفة الإجماع الظني ، وتندر مخالفتهم لإجماع قطعي .
ومن أهدرهم ، ولم يعتد بهم ، لم يعدهم في مسائلهم المفردة خارجين بها من الدين ، ولا كفرهم بها ، بل يقول : هؤلاء في حيز العوام ، أو هم
كالشيعة في الفروع ، ولا نلتفت إلى أقوالهم ، ولا ننصب معهم الخلاف ، ولا نعتني بتحصيل كتبهم ، ولا ندل مستفتيا من العامة عليهم . وإذا تظاهروا
[ ص: 105 ] بمسألة معلومة البطلان ، كمسح الرجلين ، أدبناهم ، وعزرناهم ، وألزمناهم بالغسل جزما .
قال الأستاذ
nindex.php?page=showalam&ids=11812أبو إسحاق الإسفراييني : قال الجمهور : إنهم -يعني نفاة القياس- لا يبلغون رتبة الاجتهاد ، ولا يجوز تقليدهم القضاء .
ونقل الأستاذ
أبو منصور البغدادي ، عن
أبي علي بن أبي هريرة ، وطائفة من الشافعية ، أنه لا اعتبار بخلاف
داود ، وسائر نفاة القياس ، في الفروع دون الأصول .
وقال
إمام الحرمين أبو المعالي : الذي ذهب إليه أهل التحقيق : أن منكري القياس لا يعدون من علماء الأمة ، ولا من حملة الشريعة ، لأنهم معاندون ، مباهتون فيما ثبت استفاضة وتواترا ، لأن معظم الشريعة صادر عن الاجتهاد ، ولا تفي النصوص بعشر معشارها ، وهؤلاء ملتحقون بالعوام .
قلت : هذا القول من
أبي المعالي أداه إليه اجتهاده ، وهم فأداهم اجتهادهم إلى نفي القول بالقياس ، فكيف يرد الاجتهاد بمثله ، وندري بالضرورة أن
داود كان يقرئ مذهبه ، ويناظر عليه ، ويفتي به في مثل
بغداد ، وكثرة الأئمة بها وبغيرها ، فلم نرهم قاموا عليه ، ولا أنكروا فتاويه ولا تدريسه ، ولا سعوا في منعه من بثه ، وبالحضرة مثل
إسماعيل القاضي ، شيخ المالكية ،
وعثمان بن بشار الأنماطي ، شيخ الشافعية ،
والمروذي ، شيخ الحنبلية ، وابني
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ،
وأبي العباس أحمد بن محمد البرتي شيخ الحنفية ،
وأحمد بن أبي عمران القاضي ، ومثل عالم
[ ص: 106 ] بغداد nindex.php?page=showalam&ids=12352إبراهيم الحربي . بل سكتوا له ، حتى لقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ : ذاكرت
الطبري -يعني ابن جرير -
nindex.php?page=showalam&ids=13216وابن سريج ، فقلت لهما : كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة في الفقه أين هو عندكما ؟ قالا : ليس بشيء ، ولا كتاب
أبي عبيد ، فإذا أردت الفقه فكتب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وداود ، ونظرائهما .
ثم كان بعده ابنه
أبو بكر ،
وابن المغلس ، وعدة من تلامذة
داود ، وعلى أكتافهم مثل :
ابن سريج ، شيخ الشافعية ،
وأبي بكر الخلال ، شيخ الحنبلية ،
وأبي الحسن الكرخي شيخ الحنفية ، وكان
أبو جعفر الطحاوي بمصر . بل كانوا يتجالسون ويتناظرون ، ويبرز كل منهم بحججه ، ولا يسعون
بالداودية إلى السلطان . بل أبلغ من ذلك ، ينصبون معهم الخلاف ، في تصانيفهم قديما وحديثا .
وبكل حال ، فلهم أشياء أحسنوا فيها ، ولهم مسائل مستهجنة ، يشغب عليهم بها ، وإلى ذلك يشير الإمام
أبو عمرو ابن الصلاح ، حيث يقول : الذي اختاره الأستاذ
أبو منصور ، وذكر أنه الصحيح من المذهب ، أنه يعتبر خلاف
داود . ثم قال
ابن الصلاح : وهذا الذي استقر عليه الأمر آخرا ، كما هو الأغلب الأعرف من صفو الأئمة المتأخرين ، الذين أوردوا مذهب
داود في مصنفاتهم المشهورة ، كالشيخ
أبي حامد الإسفراييني ،
nindex.php?page=showalam&ids=15151والماوردي ،
والقاضي أبي الطيب ، فلولا اعتدادهم به لما ذكروا مذهبه في مصنفاتهم المشهورة .
قال : وأرى أن يعتبر قوله إلا فيما خالف فيه القياس الجلي ، وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه ، أو بناه على أصوله التي قام الدليل القاطع على بطلانها ، فاتفاق من سواه إجماع منعقد ، كقوله في التغوط في الماء
[ ص: 107 ] الراكد وتلك المسائل الشنيعة ، وقوله : لا ربا إلا في الستة المنصوص عليها فخلافه في هذا أو نحوه غير معتد به ، لأنه مبني على ما يقطع ببطلانه .
قلت : لا ريب أن كل مسألة انفرد بها ، وقطع ببطلان قوله فيها ، فإنها هدر ، وإنما نحكيها للتعجب ، وكل مسألة له عضدها نص ، وسبقه إليها صاحب أو تابع ، فهي من مسائل الخلاف ، فلا تهدر .
وفي الجملة ،
فداود بن علي بصير بالفقه ، عالم بالقرآن ، حافظ للأثر ، رأس في معرفة الخلاف ، من أوعية العلم ، له ذكاء خارق ، وفيه
[ ص: 108 ] دين متين . وكذلك في فقهاء
الظاهرية جماعة لهم علم باهر ، وذكاء قوي ، فالكمال عزيز ، والله الموفق .
ونحن : فنحكي قول
ابن عباس في المتعة وفي الصرف وفي إنكار العول وقول طائفة من الصحابة في ترك الغسل من الإيلاج وأشباه ذلك ، ولا نجوز لأحد تقليدهم في ذلك .
قال
ابن كامل : مات
داود في شهر رمضان سنة سبعين ومائتين .
دَاوُدُ بْنُ عَلِيِّ
بْنِ خَلَفٍ ، الْإِمَامُ ، الْبَحْرُ ، الْحَافِظُ ، الْعَلَّامَةُ ، عَالِمُ الْوَقْتِ أَبُو سُلَيْمَانَ الْبَغْدَادِيُّ ، الْمَعْرُوفُ بِالْأَصْبَهَانِيِّ ، مَوْلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَهْدِيِّ ، رَئِيسُ أَهْلِ الظَّاهِرِ .
[ ص: 98 ] مَوْلِدُهُ سِنَةَ مِائَتَيْنِ .
وَسَمِعَ :
سُلَيْمَانَ بْنَ حَرْبٍ ،
وَعَمْرَو بْنَ مَرْزُوقٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15020وَالْقَعْنَبِيَّ ،
وَمُحَمَّدَ بْنَ كَثِيرٍ الْعَبْدِيَّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17072وَمُسَدَّدَ بْنَ مُسَرْهَدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12418وَإِسْحَاقَ ابْنَ رَاهْوَيْهِ ،
وَأَبَا ثَوْرٍ الْكَلْبِيَّ ،
وَالْقَوَارِيرِيَّ ، وَطَبَقَتَهُمْ .
وَارْتَحَلَ إِلَى
إِسْحَاقَ [ ابْنِ رَاهْوَيْهِ ] وَسَمِعَ مِنْهُ " الْمُسْنَدَ " وَ " التَّفْسِيرَ " ، وَنَاظَرَ عِنْدَهُ ; وَجَمَعَ وَصَنَّفَ ، وَتَصَدَّرَ ، وَتَخَرَّجَ بِهِ الْأَصْحَابُ .
قَالَ
أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ : صَنَّفَ الْكُتُبَ ، وَكَانَ إِمَامًا وَرِعًا نَاسِكًا زَاهِدًا ، وَفِي كُتُبِهِ حَدِيثٌ كَثِيرٌ ، لَكِنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ عَزِيزَةٌ جِدًّا .
حَدَّثَ عَنْهُ : ابْنُهُ
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ ،
وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ ،
وَيُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الدَّاوُدِيُّ ،
وَعَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُذَكِّرُ ، وَغَيْرُهُمْ .
قَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنُ حَزْمٍ : إِنَّمَا عُرِفَ
بِالْأَصْبَهَانِيِّ ، لِأَنَّ أُمَّهُ أَصْبَهَانِيَّةٌ ، وَكَانَ أَبُوهُ حَنَفِيُّ الْمَذْهَبِ .
قَالَ
أَبُو عَمْرِو الْمُسْتَمْلِي : رَأَيْتُ
دَاوُدَ بْنَ عَلِيٍّ يَرُدُّ عَلَى
إِسْحَاقَ ابْنِ رَاهْوَيْهِ ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ ، هَيْبَةً لَهُ .
قَالَ
عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُجَيْرِ الْحَافِظُ : سَمِعْتُ
دَاوُدَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ : دَخَلْتُ عَلَى
إِسْحَاقَ وَهُوَ يَحْتَجِمُ ، فَجَلَسْتُ ، فَرَأَيْتُ كُتُبَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ،
[ ص: 99 ] فَأَخَذْتُ أَنْظُرُ ، فَصَاحَ بِي
إِسْحَاقُ : أَيْشِ تَنْظُرُ ؟ فَقُلْتُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=79مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ قَالَ : فَجَعَلَ يَضْحَكُ ، أَوْ يَتَبَسَّمُ .
سَعِيدُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْذَعِيُّ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=12013أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ ، فَاخْتَلَفَ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي أَمْرِ
دَاوُدَ الْأَصْبَهَانِيِّ ،
وَالْمُزَنِيِّ ، وَالرَّجُلَانِ :
فَضْلَكُ الرَّازِيِّ ،
وَابْنُ خِرَاشٍ فَقَالَ
ابْنُ خِرَاشٍ :
دَاوُدُ كَافِرٌ . وَقَالَ
فَضْلْكُ : الْمُزَنِيُّ : جَاهِلٌ .
فَأَقْبَلَ
أَبُو زُرْعَةَ يُوَبِّخُهُمَا ، وَقَالَ لَهُمَا : مَا وَاحِدٌ مِنْكُمَا لَهُمَا بِصَاحِبٍ . ثُمَّ قَالَ : تُرَى
دَاوُدَ هَذَا ، لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ لَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُكْمِدُ أَهْلَ الْبِدَعِ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْبَيَانِ وَالْآلَةِ وَلَكِنَّهُ تَعَدَّى ، لَقَدْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ
نَيْسَابُورَ ، فَكَتَبَ إِلَيَّ
مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ،
وَعَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ ،
وَحُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورٍ ، وَمَشْيَخَةُ
نَيْسَابُورَ بِمَا أَحْدَثَ هُنَاكَ ، فَكَتَمْتُ ذَلِكَ لِمَا خِفْتُ مِنْ عَوَاقِبِهِ ، وَلَمْ أُبْدِ لَهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، فَقَدِمَ
بَغْدَادَ .
وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
صَالِحِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حُسْنٌ ، فَكَلَّمَ
صَالِحًا أَنْ يَتَلَطَّفَ لَهُ فِي الِاسْتِئْذَانِ عَلَى أَبِيهِ ، فَأَتَى
صَالِحٌ أَبَاهُ ، فَقَالَ : رَجُلٌ سَأَلَنِي أَنْ يَأْتِيَكَ ، فَقَالَ : مَا اسْمُهُ ؟ قَالَ :
دَاوُدُ . قَالَ : مِنْ أَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ : مِنْ
أَصْبَهَانَ . فَكَانَ
صَالِحٌ يَرُوغُ عَنْ تَعْرِيفِهِ ، فَمَا زَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَفْحَصُ ، حَتَّى فَطِنَ بِهِ ، فَقَالَ : هَذَا قَدْ كَتَبَ إِلَىَّ
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فِي أَمْرِهِ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مُحْدَثٌ ، فَلَا يَقْرَبَنِّي . فَقَالَ : يَا أَبَهْ ! إِنَّهُ يَنْتَفِي مِنْ هَذَا وَيُنْكِرُهُ . فَقَالَ :
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَصْدَقُ مِنْهُ ، لَا تَأْذَنْ لَهُ .
[ ص: 100 ] قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَحَامِلِيُّ : رَأَيْتُ
دَاوُدَ بْنَ عَلِيٍّ يُصَلِّي ، فَمَا رَأَيْتُ مُسْلِمًا يُشْبِهُهُ فِي حُسْنِ تَوَاضُعِهِ .
وَقَدْ كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ يَخْتَلِفُ إِلَى
دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ مُدَّةً ، ثُمَّ تَخَلَّفَ عَنْهُ ، وَعَقَدَ لِنَفْسِهِ مَجْلِسًا ، فَأَنْشَأَ
دَاوُدُ يَتَمَثَّلُ : فَلَوْ أَنِّي بُلِيتُ بِهَاشِمِيٍّ خُؤُولَتُهُ بَنُو عَبْدِ الْمُدَانِ
صَبَرْتُ عَلَى أَذَاهُ لِيَ وَلَكِنْ تَعَالَيْ فَانْظُرِي بِمَنِ ابْتَلَانِي
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13456أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي : أَخْبَرَنِي
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْوَرَّاقُ : أَنَّهُ كَانَ يُورِقُ عَلَى
دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ ، وَأَنَّهُ سَمِعَهُ يُسَأَلُ عَنِ الْقُرْآَنِ ، فَقَالَ : أَمَّا الَّذِي فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ : فَغَيْرُ مَخْلُوقٍ ، وَأَمَّا الَّذِي هُوَ بَيْنَ النَّاسِ : فَمَخْلُوقٌ .
قُلْتُ : هَذِهِ التَّفْرِقَةُ وَالتَّفْصِيلُ مَا قَالَهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ ، فِيمَا عَلِمْتُ ، وَمَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ كَلَامُ اللَّهِ ، وَوَحْيُهُ وَتَنْزِيلُهُ ، حَتَّى أَظْهَرَ
الْمَأْمُونُ الْقَوْلَ : بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ ، وَظَهَرَتْ مَقَالَةُ
الْمُعْتَزِلَةِ ، فَثَبَتَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ عَلَى الْقَوْلِ : بِأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ، إِلَى أَنْ ظَهَرَتْ مَقَالَةُ
حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيِّ وَهِيَ : أَنَّ الْقُرْآَنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ، وَأَنَّ أَلْفَاظَنَا بِهِ مَخْلُوقَةٌ ، فَأَنْكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ ذَلِكَ ، وَعَدَّهُ بِدْعَةً ، وَقَالَ : مَنْ قَالَ : لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ ، يُرِيدُ بِهِ الْقُرْآنَ ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ . وَقَالَ أَيْضًا : مَنْ
[ ص: 101 ] قَالَ : لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ . فَزَجَرَ عَنِ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ .
وَأَمَّا
دَاوُدُ فَقَالَ : الْقُرْآنُ مُحْدَثٌ . فَقَامَ عَلَى
دَاوُدَ خَلْقٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ ، وَأَنْكَرُوا قَوْلَهُ وَبِدَّعُوهُ ، وَجَاءَ مِنْ بَعْدِهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ ، فَقَالُوا : كَلَامُ اللَّهِ مَعْنًى قَائِمٌ بِالنَّفْسِ ، وَهَذِهِ الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ دَالَّةٌ عَلَيْهِ ، وَدَقَّقُوا وَعَمَّقُوا ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْهُدَى وَاتِّبَاعَ الْحَقِّ ، فَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ ، حُرُوفُهُ وَمَعَانِيهِ وَأَلْفَاظُهُ كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، غَيْرُ مَخْلُوقٍ ، وَتَلَفُّظُنَا بِهِ وَأَصْوَاتُنَا بِهِ مِنْ أَعْمَالِنَا الْمَخْلُوقَةِ ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :
nindex.php?page=hadith&LINKID=881094زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَلْفُوظُ لَا يَسْتَقِلُّ إِلَّا بِتَلَفُّظِنَا ، وَالْمَكْتُوبُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ كِتَابَةٍ ، وَالْمَتْلُوُّ لَا يُسْمَعُ إِلَّا بِتِلَاوَةِ تَالٍ ، صَعُبَ فَهْمُ الْمَسْأَلَةِ ، وَعَسُرَ إِفْرَازُ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ الْمَلْفُوظُ مِنَ اللَّفْظِ الَّذِي يُعْنَى بِهِ التَّلَفُّظُ ، فَالذِّهْنُ يَعْلَمُ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ هَذَا ، وَالْخَوْضُ فِي هَذَا خَطَرٌ . نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ فِي الدِّينِ . وَفِي الْمَسْأَلَةِ بُحُوثٌ طَوِيلَةٌ ، الْكَفُّ عَنْهَا أَوْلَى ، وَلَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْمُزْمِنَةِ .
[ ص: 102 ] قَالَ
أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ : كَانَ
دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ عَقْلُهُ أَكْبَرُ مِنْ عِلْمِهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16802قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ الْحَافِظُ : ذَاكَرْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنَ جَرِيرِ الطَّبَرِيَّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13216وَابْنَ سُرَيْجٍ فِي كِتَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابْنِ قُتَيْبَةَ فِي الْفِقْهِ ، فَقَالَا : لَيْسَ بِشَيْءٍ ، فَإِذَا أَرَدْتَ الْفِقْهَ ، فَكُتُبُ أَصْحَابِ الْفِقْهِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790كَالشَّافِعِيِّ ،
وَدَاوُدَ ، وَنُظَرَائِهِمَا . ثُمَّ قَالَا : وَلَا كُتُبُ أَبِي
عُبَيْدٍ فِي الْفِقْهِ ، أَمَا تَرَى كِتَابَهُ فِي " الْأَمْوَالِ " ، مَعَ أَنَّهُ أَحْسَنُ كُتُبِهِ ؟
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنُ حَزْمٍ : كَانَ
دَاوُدُ عِرَاقِيًّا ، كَتَبَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ وَرَقَةٍ ، وَمِنْ أَصْحَابِهِ :
أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رُوَيْمٍ ،
وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النَّجَّارِ ،
وَأَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدِّيبَاجِيُّ ،
وَأَحْمَدُ بْنُ مَخْلَدٍ الِإيَادِيُّ ،
وَأَبُو سَعِيدٍ الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ، صَاحِبُ التَّصَانِيفِ ،
وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّجَاجِيُّ ،
وَأَبُو نَصْرٍ السِّجِسْتَانِيُّ ثُمَّ سَرَدَ أَسْمَاءَ عِدَّةٍ مِنْ تَلَامِذَتِهِ .
أَخْبَرَنَا
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ عَنْ
أَبِي الْيُمْنِ الْكِنْدِيِّ ، أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، أَخْبَرَنَا
أَبُو إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ ، فِي " طَبَقَاتِ الْفُقَهَاءِ " لَهُ ، قَالَ : ذِكْرُ فُقَهَاءِ
بَغْدَادَ ، وَمِنْهُمْ :
أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفِ الْأَصْبَهَانِيُّ ، وُلِدَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ .
أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ :
إِسْحَاقَ ابْنِ رَاهْوَيْهِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وَأَبِي ثَوْرٍ ; وَكَانَ زَاهِدًا مُتَقَلِّلًا وَقِيلَ : إِنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسِهِ أَرْبَعُمِائَةِ صَاحِبِ طَيْلَسَانٍ أَخْضَرَ ، وَكَانَ مِنَ الْمُتَعَصِّبِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790لِلشَّافِعِيِّ ،
[ ص: 103 ] وَصَنَّفَ كِتَابَيْنِ فِي فَضَائِلِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ رِئَاسَةُ الْعِلْمِ
بِبَغْدَادَ ، وَأَصْلُهُ مِنْ
أَصْفَهَانَ ، وَمَوْلِدُهُ
بِالْكُوفَةِ ، وَمَنْشَؤُهُ
بِبَغْدَادَ ، وَقَبْرُهُ بِهَا فِي
الشُّونِيزِيَّةِ .
وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ : أَخْبَرَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : سَأَلْتُ
الْمَرُّوذِيَّ عَنْ قِصَّةِ
دَاوُدَ الْأَصْبَهَانِيِّ ، وَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ : كَانَ
دَاوُدُ خَرَجَ إِلَى
خُرَاسَانَ ، إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=12418ابْنِ رَاهْوَيْهِ ، فَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ شَهِدَ عَلَيْهِ
أَبُو نَصْرِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ وَآخَرُ ، شَهِدَا عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ : الْقُرْآنُ مُحْدَثُ .
فَقَالَ لِي
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : مَنْ
دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ ؟ لَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ . قُلْتُ : هَذَا مِنْ غِلْمَانِ
nindex.php?page=showalam&ids=11956أَبِي ثَوْرٍ . قَالَ : جَاءَنِي كِتَابُ
مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّ
دَاوُدَ الْأَصْبَهَانِيَّ قَالَ بِبَلَدِنَا : إِنَّ الْقُرْآنَ مُحْدَثٌ . قَالَ
الْمَرُّوذِيُّ : حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النَّيْسَابُورِيُّ ، أَنَّ
إِسْحَاقَ ابْنَ رَاهْوَيْهِ لَمَّا سَمِعَ كَلَامَ
دَاوُدَ فِي بَيْتِهِ ، وَثَبَ عَلَى
دَاوُدَ وَضَرَبَهُ ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ .
الْخَّلَّالُ : سَمِعْتُ
أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ ، سَمِعْتُ
مُحَمَّدَ بنَ الْحُسَيْنِ بْنِ صَبِيحٍ ، سَمِعْتُ
دَاوُدَ الْأَصْبَهَانِيَّ يَقُولُ : الْقُرْآنُ مُحْدَثٌ ، وَلَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ .
وَأَخْبَرَنَا
سَعِيدُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ : سَمِعْتُ
مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدَةَ يَقُولُ : دَخَلْتُ إِلَى
دَاوُدَ ، فَغَضِبَ عَلَيَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يُكَلِّمْنِي ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ! إِنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِ مَسْأَلَةً . قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ :
[ ص: 104 ] قَالَ : الْخُنْثَى إِذَا مَاتَ مَنْ يُغَسِّلُهُ ؟ قَالَ
دَاوُدُ : يُغَسِّلُهُ الْخَدَمُ . فَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَةَ : الْخَدَمُ رِجَالٌ ، وَلَكِنْ يُيَمَّمُ ، فَتَبَسَّمَ
أَحْمَدُ وَقَالَ : أَصَابَ ، أَصَابَ ، مَا أَجْوَدَ مَا أَجَابَهُ !
قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّدِيمُ :
لِدَاوُدَ مِنَ الْكُتُبِ : كِتَابُ " الْإِيضَاحِ " كِتَابُ " الْإِفْصَاحِ " ، كِتَابُ " الْأُصُولِ " ، كِتَابُ " الدَّعَاوَى " ، كِتَابٌ كَبِيرٌ فِي الْفِقْهِ ، كِتَابُ " الذَّبِّ عَنِ السُّنَّةِ وَالْأَخْبَارِ " أَرْبَعُ مُجَلَّدَاتٍ ، كِتَابُ " الرَّدِّ عَليَ أَهْلِ الْإِفْكِ " ، " صِفَةُ أَخْلَاقِ النَّبِيِّ " ، كِتَابُ " الْإِجْمَاعِ " ، كِتَابُ " إِبْطَالِ الْقِيَاسِ " ، كِتَابُ " خَبَرِ الْوَاحِدِ وَبَعْضُهُ مُوجِبٌ لِلْعِلْمِ " ، كِتَابُ " الْإِيضَاحِ " ، خَمْسَةَ عَشَرَ مُجَلَّدًا ، كِتَابُ " الْمُتْعَةِ " ، كِتَابُ " إِبْطَالِ التَّقْلِيدِ " ، كِتَابُ " الْمَعْرِفَةِ " ، كِتَابُ " الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ " . وَسَرَدَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً .
قُلْتُ : لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ فِي الِاعْتِدَادِ ، بِخِلَافِ
دَاوُدَ وَأَتْبَاعِهِ : فَمَنِ اعْتَدَّ بِخِلَافِهِمْ ، قَالَ : مَا اعْتِدَادُنَا بِخِلَافِهِمْ لِأَنَّ مُفْرَدَاتِهِمْ حُجَّةٌ ، بَلْ لِتُحْكَى فِي الْجُمْلَةِ ، وَبَعْضُهَا سَائِغٌ ، وَبَعْضُهَا قَوِيٌّ ، وَبَعْضُهَا سَاقِطٌ ، ثُمَّ مَا تَفَرَّدُوا بِهِ هُوَ شَيْءٌ مِنْ قَبِيلِ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ ، وَتَنْدُرُ مُخَالَفَتُهُمْ لِإِجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ .
وَمَنْ أَهَدَرَهُمْ ، وَلَمْ يَعْتَدَّ بِهِمْ ، لَمْ يَعُدَّهُمْ فِي مَسَائِلِهِمُ الْمُفْرَدَةِ خَارِجِينَ بِهَا مِنَ الدِّينِ ، وَلَا كَفَّرَهُمْ بِهَا ، بَلْ يَقُولُ : هَؤُلَاءِ فِي حَيِّزِ الْعَوَامِّ ، أَوْ هُمْ
كَالشِّيعَةِ فِي الْفُرُوعِ ، وَلَا نَلْتَفِتُ إِلَى أَقْوَالِهِمْ ، وَلَا نَنْصِبُ مَعَهُمُ الْخِلَافَ ، وَلَا نَعْتَنِي بِتَحْصِيلِ كُتُبِهِمْ ، وَلَا نَدُلُّ مُسْتَفْتِيًا مِنَ الْعَامَّةِ عَلَيْهِمْ . وَإِذَا تَظَاهَرُوا
[ ص: 105 ] بِمَسْأَلَةٍ مَعْلُومَةِ الْبُطْلَانِ ، كَمَسْحِ الرِّجْلَيْنِ ، أَدَّبْنَاهُمْ ، وَعَزَّرْنَاهُمْ ، وَأَلْزَمْنَاهُمْ بِالْغَسْلِ جَزْمًا .
قَالَ الْأُسْتَاذُ
nindex.php?page=showalam&ids=11812أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ : قَالَ الْجُمْهُورُ : إِنَّهُمْ -يَعْنِي نُفَاةَ الْقِيَاسِ- لَا يَبْلُغُونَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ ، وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمُ الْقَضَاءَ .
وَنَقَلَ الْأُسْتَاذُ
أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ ، عَنْ
أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَطَائِفَةٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةَ ، أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ
دَاوُدَ ، وَسَائِرِ نُفَاةِ الْقِيَاسِ ، فِي الْفُرُوعِ دُونَ الْأُصُولِ .
وَقَالَ
إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي : الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ التَّحْقِيقِ : أَنَّ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ لَا يُعَدُّونَ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ ، وَلَا مِنْ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ ، لِأَنَّهُمْ مُعَانِدُونَ ، مُبَاهِتُونَ فِيمَا ثَبَتَ اسْتِفَاضَةً وَتَوَاتُرًا ، لِأَنَّ مُعْظَمَ الشَّرِيعَةِ صَادِرٌ عَنِ الِاجْتِهَادِ ، وَلَا تَفِي النُّصُوصُ بِعُشْرِ مِعْشَارِهَا ، وَهَؤُلَاءِ مُلْتَحِقُونَ بِالْعَوَامِّ .
قُلْتُ : هَذَا الْقَوْلُ مِنْ
أَبِي الْمَعَالِي أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ ، وَهُمْ فَأَدَّاهُمُ اجْتِهَادُهُمْ إِلَى نَفْيِ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ ، فَكَيْفَ يُرَدُّ الِاجْتِهَادُ بِمِثْلِهِ ، وَنَدْرِي بِالضَّرُورَةِ أَنَّ
دَاوُدَ كَانَ يُقْرِئُ مَذْهَبَهُ ، وَيُنَاظِرُ عَلَيْهِ ، وَيُفْتِي بِهِ فِي مِثْلِ
بَغْدَادَ ، وَكَثْرَةُ الْأَئِمَّةِ بِهَا وَبِغَيْرِهَا ، فَلَمْ نَرَهُمْ قَامُوا عَلَيْهِ ، وَلَا أَنْكَرُوا فَتَاوِيَهُ وَلَا تَدْرِيسَهُ ، وَلَا سَعَوْا فِي مَنْعِهِ مِنْ بَثِّهِ ، وَبِالْحَضْرَةِ مِثْلُ
إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي ، شَيْخِ الْمَالِكِيَّةِ ،
وَعُثْمَانَ بْنِ بَشَّارٍ الْأَنْمَاطِيِّ ، شَيْخِ الشَّافِعِيَّةِ ،
والمَرُّوذِيِّ ، شَيْخِ الْحَنْبَلِيَّةِ ، وَابْنَيِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامِ أَحْمَدَ ،
وَأَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِي شَيْخِ الْحَنَفِيَّةِ ،
وَأَحْمَدَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ الْقَاضِي ، وَمِثْلُ عَالِمِ
[ ص: 106 ] بَغْدَادَ nindex.php?page=showalam&ids=12352إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ . بَلْ سَكَتُوا لَهُ ، حَتَّى لَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16802قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ : ذَاكَرْتُ
الطَّبَرِيَّ -يَعْنِي ابْنَ جَرِيرٍ -
nindex.php?page=showalam&ids=13216وَابْنَ سُرَيْجٍ ، فَقُلْتُ لَهُمَا : كِتَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابْنِ قُتَيْبَةَ فِي الْفِقْهِ أَيْنَ هُوَ عِنْدَكُمَا ؟ قَالَا : لَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَلَا كِتَابُ
أَبِي عُبَيْدٍ ، فَإِذَا أَرَدْتَ الْفِقْهَ فَكُتُبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ،
وَدَاوُدَ ، وَنُظَرَائِهِمَا .
ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ ابْنُهُ
أَبُو بَكْرٍ ،
وَابْنُ الْمُغَلِّسِ ، وَعِدَّةٌ مِنْ تَلَامِذَةِ
دَاوُدَ ، وَعَلَى أَكْتَافِهِمْ مِثْلُ :
ابْنِ سُرَيْجٍ ، شَيْخِ الشَّافِعِيَّةِ ،
وَأَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالِ ، شَيْخِ الْحَنْبَلِيَّةِ ،
وَأَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ شَيْخِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَكَانَ
أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ بِمِصْرَ . بَلْ كَانُوا يَتَجَالَسُونَ وَيَتَنَاظَرُونَ ، وَيَبْرُزُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِحُجَجِهِ ، وَلَا يَسْعَوْنَ
بِالدَّاوُدِيَّةِ إِلَى السُّلْطَانِ . بَلْ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ ، يَنْصِبُونَ مَعَهُمُ الْخِلَافَ ، فِي تَصَانِيفِهِمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا .
وَبِكُلِّ حَالٍ ، فَلَهُمْ أَشْيَاءُ أَحْسَنُوا فِيهَا ، وَلَهُمْ مَسَائِلُ مُسْتَهْجَنَةٌ ، يُشْغَبُ عَلَيْهِمْ بِهَا ، وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ الْإِمَامُ
أَبُو عَمْرٍو ابْنُ الصَّلَاحِ ، حَيْثُ يَقُولُ : الَّذِي اخْتَارَهُ الْأُسْتَاذُ
أَبُو مَنْصُورٍ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ ، أَنَّهُ يُعْتَبَرُ خِلَافُ
دَاوُدَ . ثُمَّ قَالَ
ابْنُ الصَّلَاحِ : وَهَذَا الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ آَخِرًا ، كَمَا هُوَ الْأَغْلَبُ الْأَعْرَفُ مِنْ صَفْوِ الْأَئِمَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ ، الَّذِينَ أَوْرَدُوا مَذْهَبَ
دَاوُدَ فِي مُصَنَّفَاتِهِمِ الْمَشْهُورَةِ ، كَالشَّيْخِ
أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15151وَالْمَاوَرْدِيِّ ،
وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ ، فَلَوْلَا اعْتِدَادُهُمْ بِهِ لَمَا ذَكَرُوا مَذْهَبَهُ فِي مُصَنَّفَاتِهِمُ الْمَشْهُورَةِ .
قَالَ : وَأَرَى أَنْ يُعْتَبَرَ قَوْلُهُ إِلَّا فِيمَا خَالَفَ فِيهِ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ ، وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْقِيَاسِيُّونَ مِنْ أَنْوَاعِهِ ، أَوْ بَنَاهُ عَلَى أُصُولِهِ الَّتِي قَامَ الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ عَلَى بُطْلَانِهَا ، فَاتِّفَاقُ مَنْ سِوَاهُ إِجْمَاعٌ مُنْعَقِدٌ ، كَقَوْلِهِ فِي التَّغَوُّطِ فِي الْمَاءِ
[ ص: 107 ] الرَّاكِدِ وَتِلْكَ الْمَسَائِلِ الشَّنِيعَةِ ، وَقَوْلِهِ : لَا رِبَا إِلَّا فِي السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَخِلَافُهُ فِي هَذَا أَوْ نَحْوِهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ ، لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يُقْطَعُ بِبُطْلَانِهِ .
قُلْتُ : لَا رَيْبَ أَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ انْفَرَدَ بِهَا ، وَقُطَعَ بِبُطْلَانِ قَوْلِهِ فِيهَا ، فَإِنَّهَا هَدْرٌ ، وَإِنَّمَا نَحْكِيهَا لِلتَّعَجُّبِ ، وَكُلُّ مَسْأَلَةٍ لَهُ عَضَّدَهَا نَصٌّ ، وَسَبَقَهُ إِلَيْهَا صَاحِبٌ أَوْ تَابِعٌ ، فَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ ، فَلَا تُهْدَرُ .
وَفِي الْجُمْلَةِ ،
فَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ بَصِيرٌ بِالْفِقْهِ ، عَالِمٌ بِالْقُرْآنِ ، حَافِظٌ لِلْأَثَرِ ، رَأَسٌ فِي مَعْرِفَةِ الْخِلَافِ ، مِنْ أَوْعِيَةِ الْعِلْمِ ، لَهُ ذَكَاءٌ خَارِقٌ ، وَفِيهِ
[ ص: 108 ] دِينٌ مَتِينٌ . وَكَذَلِكَ فِي فُقَهَاءِ
الظَّاهِرِيَّةِ جَمَاعَةٌ لَهُمْ عِلْمٌ بَاهِرٌ ، وَذَكَاءٌ قَوِيٌّ ، فَالْكَمَالُ عَزِيزٌ ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
وَنَحْنُ : فَنَحْكِي قَوْلَ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُتْعَةِ وَفِي الصَّرْفِ وَفِي إِنْكَارِ الْعَوْلِ وَقَوْلِ طَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي تَرْكِ الْغُسْلِ مِنَ الْإِيلَاجِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ ، وَلَا نُجَوِّزُ لِأَحَدٍ تَقْلِيدَهُمْ فِي ذَلِكَ .
قَالَ
ابْنُ كَامِلٍ : مَاتَ
دَاوُدُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ .