الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3811 حدثنا الجراح بن مخلد البصري حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن خيثمة بن أبي سبرة قال أتيت المدينة فسألت الله أن ييسر لي جليسا صالحا فيسر لي أبا هريرة فجلست إليه فقلت له إني سألت الله أن ييسر لي جليسا صالحا فوفقت لي فقال لي ممن أنت قلت من أهل الكوفة جئت ألتمس الخير وأطلبه قال أليس فيكم سعد بن مالك مجاب الدعوة وابن مسعود صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعليه وحذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمار الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه وسلمان صاحب الكتابين قال قتادة والكتابان الإنجيل والفرقان قال هذا حديث حسن صحيح غريب وخيثمة هو ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة إنما نسب إلى جده

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا الجراح بن مخلد ) العجلي البصري القزاز ثقة من العاشرة ( أخبرنا معاذ بن هشام ) بن أبي عبد الله الدستوائي البصري ( حدثني أبي ) أي : هشام الدستوائي ( عن خيثمة بن أبي سبرة ) في التقريب خيثمة بن عبد الرحمن أبي سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة الجعفي الكوفي ثقة ، وكان يرسل من الثالثة قوله : ( أن ييسر ) من التيسير أي : يسهل ( جليسا صالحا ) أي : مجالسا يصلح أن يجلس معه ، ويستفاد من المجالسة ( فوفقت ) بضم الواو وبكسر الفاء المشددة وفتح الفوقية أي : جعلت وفقا لنا ، وهو من الموافقة التي هي كالالتحام يقال : أتانا لتيفاق الهلال وميفاقه أي : حين أهل لا قبله ولا بعده وهي نقطة تدل على صدق الاجتماع والالتئام ، قاله النووي ( ألتمس الخير ) أي : العلم المقرون بالعمل المعبر عنهما بالحكمة التي قال الله فيها ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وقد يقال : لا خير خير منه ، أو لا خير غيره ( وأطلبه ) عطف تفسير ( أليس فيكم ) أي : في بلدكم ( سعد بن مالك ) هو سعد بن أبي وقاص ( مجاب الدعوة ) قد تقدم ذكره وبيان إجابة دعوته في مناقبه ( صاحب طهور رسول الله -صلى الله عليه وسلم ) بفتح الطاء أي : ما يطهر به فإنه كان صاحب مطهرته -صلى الله عليه وسلم- ونعليه وكذا صاحب وسادته ونحوها مما يدل على كمال خدمته وقربه ( وحذيفة صاحب سر [ ص: 213 ] رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ) المراد بالسر : ما أعلمه به النبي -صلى الله عليه وسلم- أمورا من أحوال المنافقين وأمورا من الذي يجري بين هذه الأمة فيما بعده وجعل ذلك سرا بينه وبينه ( وعمار الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه ) قال ابن التين : المراد بقوله : على لسان نبيه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- " ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار " قال الحافظ : وهو محتمل ، ويحتمل أن يكون المراد بذلك حديث عائشة مرفوعا : " ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما " . أخرجه الترمذي ، ولأحمد من حديث ابن مسعود مثله أخرجهما الحاكم ، فكونه يختار أرشد الأمرين دائما يقتضي أنه قد أجير من الشيطان الذي من شأنه الأمر بالغي .

                                                                                                          ولابن سعد في الطبقات من طريق الحسن قال : قال عمار نزلنا منزلا فأخذت قربتي ودلوي لأستقي ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : " سيأتيك من يمنعك من الماء " فلما كنت على رأس الماء ; إذا رجل أسود كأنه عرس فصرعته فذكر الحديث وفيه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : " ذاك الشيطان " ، فلعل ابن مسعود أشار إلى هذه القصة ، ويحتمل أن تكون الإشارة بالإجارة المذكورة إلى ثباته على الإيمان لما أكرهه المشركون على النطق بكلمة الكفر فنزلت فيه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان .

                                                                                                          ( وسلمان صاحب الكتابين ) سلمان هذا هو سلمان الفارسي ، ويقال : سلمان الخير ، والمراد بالكتابين : الإنجيل ، والقرآن فإنه آمن بالإنجيل قبل نزول القرآن وعمل به ثم آمن بالقرآن أيضا .

                                                                                                          تنبيه :

                                                                                                          توارد أبو الدرداء في وصف المذكورين غير سلمان مع أبي هريرة بما وصفهم به .

                                                                                                          فروى البخاري في صحيحه من طريق علقمة قال : قدمت الشام فصليت ركعتين ثم قلت : اللهم يسر لي جليسا صالحا فأتيت قوما فجلست إليهم فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي . قلت : من هذا ؟ قالوا أبو الدرداء ، قال : إني دعوت الله أن ييسر لي جليسا صالحا فيسرك لي ، قال ممن أنت ؟ قلت : من أهل الكوفة ، قال : أوليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين ، والوسادة ، والمطهرة ؟ أوليس فيكم الذي أجاره الله من الشيطان ؟ يعني على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- . أوليس فيكم صاحب سر النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي لا يعلم أحد غيره ؟ ثم قال : كيف يقرأ عبد الله والليل إذا يغشى الحديث .




                                                                                                          الخدمات العلمية