الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3087 حدثنا الحسن بن علي الخلال حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن شبيب بن غرقدة عن سليمان بن عمرو بن الأحوص حدثنا أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال أي يوم أحرم أي يوم أحرم أي يوم أحرم قال فقال الناس يوم الحج الأكبر يا رسول الله قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا لا يجني جان إلا على نفسه ولا يجني والد على ولده ولا ولد على والده ألا إن المسلم أخو المسلم فليس يحل لمسلم من أخيه شيء إلا ما أحل من نفسه ألا وإن كل ربا في الجاهلية موضوع لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون غير ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله ألا وإن كل دم كان في الجاهلية موضوع وأول دم وضع من دماء الجاهلية دم الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وإن حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد رواه أبو الأحوص عن شبيب بن غرقدة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن زائدة ) هو ابن قدامة .

                                                                                                          [ ص: 382 ] قوله : ( أنه شهد ) أي حضر ( وذكر ) من التذكير ( ثم قال ) أي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للناس ( أي يوم أحرم ) أي أعظم حرمة كما في حديث جابر بن عبد الله عند أحمد ( فقال الناس يوم الحج الأ كبر ) قيل هو يوم عرفة وقيل يوم النحر ، ويأتي الكلام فيه في شرح حديث علي رضي الله عنه ( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم ) أي تعرضها ( عليكم حرام ) أي محرم ليس لبعضكم أن يتعرض لبعض فيريق دمه أو يسلب ماله ، أو ينال من عرضه ( كحرمة يومكم هذا ) يعني تعرض بعضكم دماء بعض وأمواله وأعراضه في غير هذه الأيام كحرمة التعرض لها في هذا اليوم ( في بلدكم هذا ) أي مكة أو الحرم المحترم ( في شهركم هذا ) أي ذي الحجة ( ألا لا يجني جان إلا على نفسه ) تقدم شرحه في باب تحريم الدماء والأموال من أبواب الفتن ( ألا ) حرف التنبيه ( إن المسلم أخو المسلم ) أي في الدين ( فليس يحل لمسلم ) أي لا يجوز ولا يباح له ( إلا ما أحل من نفسه ) أي ما أباح له أخوه من نفسه ( وإن كل ربا في الجاهلية موضوع ) أي كالشيء الموضوع تحت القدم ، وهو مجاز عن إبطاله ( لكم رءوس ) أي أصول ( أموالكم لا تظلمون ) بزيادة ( ولا تظلمون ) بنقص ( غير ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله ) كذا وقع عند الترمذي في حديث عمرو بن الأحوص ، ولم يظهر لي معنى الاستثناء ووقع عند ابن أبي حاتم من طريق شيبان عن شبيب بن غرقدة ، عن سليمان بن الأحوص عن أبيه قال : خطب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حجة الوداع فقال ألا إن كل ربا كان في الجاهلية موضوع عنكم كله لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ، وأول ربا موضوع ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله . وفي حديث جابر عند مسلم : وربا الجاهلية موضوع وأول ما أضع ربانا ربا العباس بن [ ص: 383 ] عبد المطلب فإنه موضوع كله .

                                                                                                          قال المناوي : قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الربا إنه موضوع كله ، معناه الزائد على رأس المال ، كما قال الله تعالى : وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم وهذا الذي ذكرته إيضاح ، وإلا فالمقصود مفهوم من نفس لفظ الحديث ، لأن الربا هو الزيادة فإذا وضع الربا فمعناه وضع الزيادة ، والمراد بالوضع : الرد والإبطال . انتهى . ( وإن كل دم كان في الجاهلية موضوع ) أي متروك لا قصاص ولا دية ولا كفارة ( وأول دم أضع ) أي أضعه وأبطله ( دم الحارث بن عبد المطلب ) وفي حديث جابر عند مسلم : وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث .

                                                                                                          قال النووي : قال المحققون والجمهور اسم هذا الابن إياس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وقيل اسمه حارثة ، وقيل آدم .

                                                                                                          قال الدارقطني : وهو تصحيف ، وقيل اسمه تمام ، وممن سماه آدم الزبير بن بكار . قال القاضي عياض : ورواه بعض رواة مسلم دم ربيعة بن الحارث قال وكذا رواه أبو داود ، وقيل وهو وهم ، والصواب ابن ربيعة لأن ربيعة عاش بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى زمن عمر بن الخطاب ، وتأوله أبو عبيد فقال : دم ربيعة لأنه ولي الدم فنسبه إليه ، قالوا وكان هذا الابن المقتول طفلا صغيرا يحبو بين البيوت ، فأصابه حجر في حرب كانت بين بني سعد وبني ليث بن بكر . قاله الزبير بن بكار . انتهى ( كان مسترضعا ) على بناء المجهول أي كان له ظئر ترضعه في بني ليث ( ألا ) بالتخفيف للتنبيه ( فاستوصوا بالنساء خيرا ) الاستيصاء : قبول الوصية ، أي أوصيكم بهن خيرا فاقبلوا وصيتي فيهن .

                                                                                                          وقال الطيبي : الأظهر أن السين للطلب ، أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في أنفسهن بخير أو يطلب بعضكم من بعض بالإحسان في حقهن ، وقيل الاستيصاء بمعنى الإيصاء ( فإنما هن عوان عندكم ) جمع عانية ، أي أسراء كالأسراء ، شبهن بهن عند الرجال لتحكمهن فيهن .

                                                                                                          قال في النهاية : العاني الأسير ، وكل من ذل واستكان وخضع ، فقد عنا يعنو ، أو هو عان والمرأة عانية وجمعها عوان ( ليس تملكون منهن شيئا ) أي شيئا من الملك أو شيئا من الهجران والضرب ( غير ذلك ) أي غير الاستيصاء بهن الخير ( إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) الفاحشة كل ما [ ص: 384 ] يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي ، وكثيرا ما ترد بمعنى الزنا ، وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة من الأقوال والأفعال ( فإن فعلن ) أي أتين بفاحشة ( فاهجروهن في المضاجع ) قال ابن عباس : هو أن يوليها ظهره في الفراش ولا يكلمها ، وقيل هو أن يعتزل عنها إلى فراش آخر ( واضربوهن ضربا غير مبرح ) بضم الميم وفتح الموحدة وتشديد الراء المكسورة ، قال النووي : الضرب المبرح هو الضرب الشديد الشاق ، ومعناه اضربوهن ضربا ليس بشديد ولا شاق ، والبرح : المشقة ( فإن أطعنكم ) أي فيما يراد منهن ( فلا تبغوا عليهن سبيلا ) أي فلا تطلبوا عليهن طريقا إلى هجرانهن وضربهن ظلما ( فلا يوطئن ) بهمزة أو بإبدالها من باب الإفعال " فرشكم " بالنصب مفعول أول " من تكرهون " مفعول ثان أي من تكرهونه رجلا كان أو امرأة . قال النووي : المختار أن معناه أن لا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم سواء كان المأذون له رجلا أجنبيا أو امرأة أو أحدا من محارم الزوجة ، فالنهي يتناول جميع ذلك ( ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ) هذا كالتفسير لما قبله وهو عام ( ألا وإن حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ) وفي حديث جابر عند مسلم : ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه ابن ماجه من طريق أبي الأحوص ، عن شبيب بن غرقدة ، وأخرجه الترمذي أيضا من هذا الطريق في باب تحريم الدماء والأموال .




                                                                                                          الخدمات العلمية