الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2285 حدثنا الحسين بن محمد الحريري البلخي حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك فعرض علي عمر وعليه قميص يجره قالوا فما أولته يا رسول الله قال الدين حدثنا عبد بن حميد حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح بن كيسان عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه بمعناه قال وهذا أصح [ ص: 465 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 465 ] قوله : ( حدثنا الحسين بن محمد الحريري ) بالحاء المهملة ، كذا وقع في النسخة الأحمدية وكتب في هامشها ما حاصله : أنه وقع في نسخة صحيحة هكذا بالحاء ووقع في بعض النسخ الأخرى بالجيم انتهى ، قلت : قال في الخلاصة : الحسين بن محمد بن جعفر الجريري من ولد جرير النخيلي عن عبد الرزاق وعبيد الله بن موسى وعنه الترمذي ، انتهى ، فعلم منه أ نه الجريري بفتح الجيم وكسر الراء ، وفي شرح الشيخ ابن حجر الهيتمي على الشمائل الجريري بضم الجيم هو الصواب ، انتهى ، والظاهر أنه بفتح الجيم والله تعالى أعلم وهو مجهول كما في تهذيب التهذيب .

                                                                                                          ( عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ) كذا أبهمه معمر في هذه الرواية وقد صرح صالح بن كيسان في روايته الآتية بذكر أبي سعيد ، قال الحافظ : كذا رواه أكثر أصحاب الزهري ، ورواه معمر عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأبهمه ، أخرجه أحمد انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وعليهم قمص ) بضمتين جمع قميص والجملة حالية ( منها ) أي من القمص ( ما يبلغ الثدي ) بضم المثلثة وكسر الدال وتشديد الياء ، جمع ثدي بفتح ثم سكون وهو مذكر عند معظم أهل اللغة ، وحكي أنه مؤنث ، والمشهور أنه يطلق في الرجل والمرأة ، وقيل يختص بالمرأة ، وهذا الحديث يرده ، ولعل قائل هذا يدعي أنه أطلق في هذا الحديث مجازا والمعنى أن القميص قصير جدا بحيث لا يصل من الحلق إلى نحو السرة بل فوقها .

                                                                                                          ( ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك ) وفي رواية البخاري ومنها ما دون ذلك ، قال الحافظ : يحتمل أن يريد دونه من جهة السفل وهو الظاهر فيكون أطول ، ويحتمل أن يريد دونه من جهة العلو فيكون أقصر ، ويؤيد الأول ما في رواية الحكيم الترمذي من طريق أخرى في هذا الحديث فمنهم من كان قميصه إلى سرته ، ومنهم من كان قميصه إلى ركبته ومنهم من كان قميصه إلى أنصاف ساقيه انتهى .

                                                                                                          قلت : ويؤيد الأول رواية أبي عيسى الترمذي هذه أيضا ( فعرض علي عمر ) أي في ما بينهم ( وعليه قميص يجره ) أي يسحبه في الأرض [ ص: 466 ] لطوله ( قالوا ) أي بعض الصحابة من الحاضرين ( فما أولته ) أي فما عبرت جر القميص لعمر ( قال الدين ) بالنصب أي أولته الدين ويجوز الرفع أي المأول به هو الدين ، قال النووي : القميص الدين وجره يدل على بقاء آثاره الجميلة ، وسنته الحسنة في المسلمين بعد وفاته ليقتدى به ، وأما تفسير اللبن بالعلم فلكثرة الانتفاع بهما وفي أنهما سببا للصلاح فاللبن غذاء الإنسان وسبب صلاحهم وقوة أبدانهم والعلم سبب للصلاح وغذاء للأرواح في الدنيا والآخرة ، انتهى ، وقال الحافظ : قالوا وجه تعبير القميص بالدين أن القميص يستر العورة في الدنيا ، والدين يسترها في الآخرة ويحجبها عن كل مكروه والأصل فيه قوله تعالى ولباس التقوى ذلك خير ، الآية ، والعرب تكني عن الفضل والعفاف بالقميص ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان إن الله سيلبسك قميصا فلا تخلعه ، أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه ابن حبان ، واتفق أهل التعبير على أن القميص يعبر بالدين وأن طوله يدل على بقاء آثار صاحبه من بعده .

                                                                                                          قوله : ( حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ) الزهري أبو يوسف المدني نزيل بغداد ثقة فاضل من صغار التاسعة ( عن أبيه ) أي إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني نزيل بغداد ، ثقة حجة تكلم فيه بلا قادح من الثامنة ( وهذا أصح ) أي من الحديث الأول المذكور; لأن في سنده الحسين بن محمد وهو مجهول كما عرفت .




                                                                                                          الخدمات العلمية