الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1446 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر قال قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجن قيمته ثلاثة دراهم قال وفي الباب عن سعد وعبد الله بن عمرو وابن عباس وأبي هريرة وأيمن قال أبو عيسى حديث ابن عمر حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر الصديق قطع في خمسة دراهم وروي عن عثمان وعلي أنهما قطعا في ربع دينار وروي عن أبي هريرة وأبي سعيد أنهما قالا تقطع اليد في خمسة دراهم والعمل على هذا عند بعض فقهاء التابعين وهو قول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحق رأوا القطع في ربع دينار فصاعدا وقد روي عن ابن مسعود أنه قال لا قطع إلا في دينار أو عشرة دراهم وهو حديث مرسل رواه القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود والقاسم لم يسمع من ابن مسعود والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة قالوا لا قطع في أقل من عشرة دراهم وروي عن علي أنه قال لا قطع في أقل من عشرة دراهم وليس إسناده بمتصل [ ص: 4 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 4 ] 2373 قوله : ( قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجن ) بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون هو الترس لأنه يواري حامله قيمته ثلاثة دراهم . هذه الرواية لا تخالف رواية ربع دينار المتقدمة ; لأن ربع الدينار كان يومئذ ثلاثة دراهم ، ففي رواية عائشة عند أحمد قال اقطعوا في ربع دينار ، ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم والدينار اثني عشر درهما . وقال الشافعي : وربع الدينار موافق لرواية ثلاثة دراهم ، وذلك أن الصرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر درهما بدينار ، وكان كذلك بعده . وقد ثبت أن عمر فرض الدية على أهل الورق اثني عشر ألف درهم وعلى أهل الذهب ألف دينار .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن سعد وعبد الله بن عمرو وابن عباس وأبي هريرة وأيمن ) أما حديث أبي سعد فأخرجه الطحاوي ، وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود والنسائي ، وأما حديث ابن عباس فأخرجه الطحاوي . وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فأخرجه الشيخان . وأما حديث أيمن فأخرجه الطحاوي .

                                                                                                          قوله : ( حديث ابن عمر حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان .

                                                                                                          قوله : ( منهم أبو بكر الصديق قطع في خمسة دراهم ) وأخرج ابن المنذر عن عمر أنه قال : لا تقطع الخمس إلا في خمس ( وروي عن عثمان وعلي أنهما قطعا في ربع دينار ) أخرج ابن المنذر أنه أتي عثمان بسارق سرق أترجة فقومت بثلاثة دراهم من حساب الدينار باثني عشر فقطع . وأخرج أيضا البيهقي من طريق جعفر عن أبيه أن أمير المؤمنين عليا رضي الله تعالى عنه قطع في ربع دينار وكانت قيمته درهمين ونصفا . وأخرج البيهقي أيضا من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه : القطع في ربع دينار فصاعدا . وأخرج أيضا من طريقه عن أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه : أنه قطع يد السارق في بيضة من حديد ثمنها ربع دينار ورجاله ثقات ولكنه منقطع .

                                                                                                          [ ص: 5 ] ( وروي عن أبي هريرة وأبي سعيد أنهما قالا : تقطع اليد في خمسة دراهم ) وروي عنهما القطع في أربعة دراهم . قال الشوكاني في النيل : المذهب الخامس أربعة دراهم نقله ابن المنذر عن أبي هريرة وأبي سعيد وكذلك حكاه عنهما في البحر انتهى .

                                                                                                          ( والعمل على هذا عند بعض فقهاء التابعين وهو قول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق رأوا القطع في ربع دينار فصاعدا ) قد ذهب إلى ما تقتضيه أحاديث الباب من ثبوت القطع في ثلاثة دراهم أو ربع دينار الجمهور من السلف والخلف ومنهم الخلفاء الأربعة ، واختلفوا في ما يقوم به ما كان من غير الذهب والفضة ، فذهب مالك في المشهور عنه إلى أنه يكون التقويم بالدراهم لا بربع الدينار إذا كان الصرف مختلفا . وقال الشافعي : الأصل في تقويم الأشياء هو الذهب لأنه الأصل في جواهر الأرض كلها حتى قال إن الثلاثة الدراهم إذا لم تكن قيمتها ربع دينار لم توجب القطع انتهى . قال مالك : وكل واحد من الذهب والفضة معتبر في نفسه لا يقوم بالآخر ، وذكر بعض البغداديين أنه ينظر في تقويم العروض بما كان غالبا في نقد أهل البلد ( وقد روي عن ابن مسعود أنه قال : لا قطع إلا في دينار أو عشرة دراهم وهو حديث مرسل رواه القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود . والقاسم لم يسمع من ابن مسعود ) أخرج قول ابن مسعود هذا الطحاوي في شرح الآثار قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا عثمان بن عمر عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن أن عبد الله بن مسعود فذكره .

                                                                                                          ( والعمل على هذا عند بعض أهل العلم ; وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة قالوا لا قطع في أقل من عشرة دراهم ) وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وسائر فقهاء العراق ; واحتجوا بقول ابن مسعود المذكور ، وقد عرفت أنه منقطع . واحتجوا أيضا بما أخرجه البيهقي والطحاوي من حديث محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال : كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم عشرة دراهم ، وأخرج نحو ذلك النسائي عنه ، وأخرج [ ص: 6 ] عنه أبو داود أن ثمنه كان دينارا أو عشرة دراهم . وأخرج البيهقي عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم ، وأخرج النسائي عن عطاء مرسلا أدنى ما يقطع فيه ثمن المجن قال : وثمنه عشرة دراهم ، قالوا : هذه الروايات في تقدير ثمن المجن أرجح من الروايات الأولى وإن كانت أكثر وأصح ولكن هذه أحوط والحدود تدفع بالشبهات فهذه الروايات كأنها شبهة في العمل بما دونها ، وروي نحو هذا عن ابن العربي ، قال : وإليه ذهب سفيان مع جلالته .

                                                                                                          ويجاب بأن الروايات المروية عن ابن عباس وابن عمرو بن العاص في إسنادها جميعا محمد بن إسحاق وقد عنعن ولا يحتج بمثله إذا جاء بالحديث معنعنا فلا يصلح لمعارضة ما في الصحيحين عن ابن عمر وعائشة . وقد تعسف الطحاوي فزعم أن حديث عائشة مضطرب ثم بين الاضطراب بما يفيد بطلان قوله ، وقد استوفى صاحب الفتح الرد عليه كذا في النيل .

                                                                                                          قلت : الأمر كما قال الشوكاني قد أجاب الحافظ عما أورد الطحاوي على حديث عائشة المذكور جوابا حسنا شافيا ; وقد أجاب أيضا عن الروايات التي تدل على أن ثمن المجن كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا أو عشرة دراهم وأجاد فيه وأصاب ثم قال الحافظ : ولو ثبتت لم تكن مخالفة لرواية الزهري بل يجمع بينهما بأنه كان أولا لا قطع فيما دون العشرة ثم شرع القطع في الثلاثة فما فوقها ، فزيد في تغليظ الحد كما زيد في تغليظ حد الخمر . وأما سائر الروايات فليس فيها إلا إخبار عن فعل وقع في عهده صلى الله عليه وسلم وليس فيه تحديد النصاب ، فلا ينافي رواية ابن عمر يعني المذكور في هذا الباب أنه قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم . وهو مع كونه حكاية فعل فلا يخالف حديث عائشة من رواية الزهري . فإن ربع دينار صرف ثلاثة دراهم .




                                                                                                          الخدمات العلمية