الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1247 أخبرنا بذلك قتيبة بن سعيد حدثنا الليث بن سعد عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله قال أبو عيسى هذا حديث حسن ومعنى هذا أن يفارقه بعد البيع خشية أن يستقيله ولو كانت الفرقة بالكلام ولم يكن له خيار بعد البيع لم يكن لهذا الحديث معنى حيث قال صلى الله عليه وسلم ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( إلا أن تكون صفقة خيار ) بالرفع على أن " كان " تامة ، والتقدير : إلا أن توجد ، أو تحدث صفقة خيار ، وبالنصب على أن " كان " ناقصة واسمها مضمر وخبرها صفقة خيار ، والتقدير : إلا أن تكون الصفقة صفقة خيار ، والمراد أن المتبايعين إذا قال أحدهما لصاحبه : اختر إمضاء البيع ، أو افسخه فاختار أحدهما تم البيع ، وإن لم يتفرقا ، قاله الشوكاني ، وقال القاري في المرقاة : والمعنى : أن المتبايعين ينقطع خيارهما بالتفرق إلا أن يكون البيع بيعا شرط فيه الخيار ، وتفسير القاري هذا خلاف ما فسر به الشوكاني ، وكلاهما محتمل ، وقد تقدم اختلاف أهل العلم في تفسير ( إلا بيع الخيار ) ، وقال الطيبي : الإضافة في صفقة خيار للبيان ؛ فإن الصفقة يجوز أن تكون للبيع ، أو للعهد . انتهى ، وقال في النهاية : إن أكبر الكبائر أن تقاتل أهل صفقتك ، هو أن يعطي الرجل الرجل عهده وميثاقه ، ثم يقاتله ؛ لأن المتعاهدين يضع أحدهما يده في يد الآخر كما يفعل المتبايعان ، وهي المرة من التصفيق باليدين . انتهى ( ولا يحل ) أي : في الورع قاله القاري ( له ) أي : لأحد المتعاقدين ( أن يفارق صاحبه ) أي : بالبدن ( خشية أن يستقيله ) بالنصب على أنه مفعول له واستدل [ ص: 378 ] بهذا القائلون بعدم ثبوت خيار المجلس . قالوا ؛ لأن في هذا الحديث دليلا على أن صاحبه لا يملك الفسخ إلا من جهة الاستقالة ، وأجيب بأن الحديث حجة عليهم لا لهم ، ومعناه لا يحل له أن يفارقه بعد البيع خشية أن يختار فسخ البيع . فالمراد بالاستقالة فسخ النادم منهما للبيع ، وعلى هذا حمله الترمذي ، وغيره من العلماء قالوا : ولو كانت الفرقة بالكلام لم يكن له خيار بعد البيع ، ولو كان المراد حقيقة الاستقالة لم تمنعه من المفارقة ؛ لأنها لا تختص بمجلس العقد ، وقد أثبت في أول الحديث الخيار ، ومده إلى غاية التفرق ، ومن المعلوم أن من له الخيار لا يحتاج إلى الاستقالة فتعين حملها على الفسخ ، وحملوا نفي الحل على الكراهة ؛ لأنه لا يليق بالمروءة وحسن معاشرة المسلم لا أن اختيار الفسخ حرام . انتهى . قلت : الأمر كما قال الشوكاني ، وبهذا اندفع قول القاري في المرقاة بأنه دليل صريح لمذهبنا ؛ لأن الإقالة لا تكون إلا بعد تمام العقد ، ولو كان له خيار المجلس لما طلب من صاحبه الإقالة ، ووجه الاندفاع ظاهر من كلام الشوكاني ، وبكلامه أيضا ظهر صحة قول المظهر بأن المراد من الاستقالة طلب الفسخ لا حقيقة الإقالة ، وهي دفع العاقدين البيع بعد لزومه بتراضيهما ، أي : لا ينبغي للمتقي أن يقوم من المجلس بعد العقد ويخرج من أن يفسخ العاقد الآخر البيع بخيار المجلس ؛ لأن هذا يشبه الخديعة . انتهى ، ووجه صحة كلامه أيضا ظاهر من كلام الشوكاني ( هذا حديث حسن ) قال في المنتقى بعد ذكره : رواه الخمسة إلا ابن ماجه ، ورواه الدارقطني ، وفي لفظ : حتى يتفرقا من مكانهما . قوله : ( ومعنى هذا أن يفارقه إلخ ) وكذا قال غير الترمذي من أهل العلم كما عرفت في كلام الشوكاني .




                                                                                                          الخدمات العلمية