الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1156 حدثنا هناد حدثنا عبدة عن سعيد بن أبي عروبة عن أيوب وقتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا أسود لبني المغيرة يوم أعتقت بريرة والله لكأني به في طرق المدينة ونواحيها وإن دموعه لتسيل على لحيته يترضاها لتختاره فلم تفعل قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وسعيد بن أبي عروبة هو سعيد بن مهران ويكنى أبا النضر

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( كان عبدا أسود ) قال القاري : أي : كعبد أسود في قبح الصورة ، أو كان عبدا فأعتق فصار حرا . انتهى . قلت : هذان التأويلان باطلان مردودان يردهما لفظ : يوم أعتقت بريرة في هذا الحديث ، فإنه نص صريح في أن زوج بريرة كان عبدا يوم إعتاقها ( ويوم أعتقت ) بصيغة المجهول ( والله لكأني به في طرق المدينة إلخ ) وفي رواية للبخاري : كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته . ( يترضاها ) قال في القاموس : استرضاه وترضاه طلب رضاه . انتهى . قوله : ( حديث ابن عباس حديث حسن صحيح ) ، وأخرجه البخاري .

                                                                                                          تنبيه :

                                                                                                          قال صاحب العرف الشذي : قول ابن عباس أنه عبد أسود . لا يدل على كونه عبدا في الحال ، بل باعتبار ما كان . انتهى . قلت : هذه غفلة شديدة ووهم قبيح ، فإن ابن عباس رضي الله عنه قد نص في قوله هذا أن زوج بريرة كان عبدا يوم إعتاقها كما في حديث الباب ، وقد تقدم بطلان هذا التأويل

                                                                                                          تنبيه :

                                                                                                          قال صاحب العرف الشذي ما لفظه : لي بحث في أن ابن عباس جاء إلى المدينة مع أبيه في السنة التاسعة ، وأنها عتقت قبلها ، وكانت تخدم عائشة . فإنه عليه السلام سألها عن شأن عائشة في قصة الإفك . قلت : قد وقع في هذه الشبهة من قلة اطلاعه فإنه قد ورد في حديث ابن عباس هذا عند البخاري : فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس : " يا عباس ألا تعجب من حب مغيث إلخ " قال الحافظ في الفتح : فيه دلالة على أن قصة بريرة كانت متأخرة في السنة التاسعة ، أو العاشرة ؛ لأن العباس إنما سكن المدينة بعد رجوعهم من غزوة الطائف ، وكان ذلك في أواخر سنة ثمان ، ويؤيده قول ابن عباس أنه شاهد ذلك ، وهو إنما قدم المدينة مع أبويه ، ويؤيد تأخر قصتها أيضا بخلاف قول من زعم أنها كانت قبل الإفك أن عائشة في ذلك الزمان كانت صغيرة ، فيبعد وقوع تلك الأمور والمراجعة والمسارعة إلى الشراء والعتق منها يومئذ ، وأيضا فقول عائشة : إن شاء مواليك أن أعدها [ ص: 269 ] لهم عدة واحدة . فيه إشارة إلى وقوع ذلك في آخر الأمر ؛ لأنهم كانوا في أول الأمر في غاية الضيق ، ثم حصل لهم التوسع بعد الفتح ، وفي كل ذلك رد على من زعم أن قصتها كانت متقدمة قبل قصة الإفك ، وحمله على ذلك وقوع ذكرها في حديث الإفك ، وقد قدمت الجواب عن ذلك هناك ، ثم رأيت الشيخ تقي الدين السبكي استشكل القصة ، ثم جوز أنها كانت تخدم عائشة قبل شرائها أو اشترتها وأخرت عتقها إلى بعد الفتح . انتهى كلام الحافظ بقدر الحاجة

                                                                                                          تنبيه آخر :

                                                                                                          اعلم أن روايات كون زوج بريرة عبدا لها ترجيحات عديدة على روايات كونه حرا . ذكرت بعضا منها فيما تقدم ، والباقية مذكورة في فتح الباري والنيل والإمام ابن الهمام قد عكس القضية بوجوه عديدة ، كلها مخدوشة ، ولولا مخافة طول الكلام لبينت ما فيها من الخدشات .




                                                                                                          الخدمات العلمية